رئيس التحرير
عصام كامل

منابر "الأوقاف".. وعمر بن الخطاب


لو أنَّ الله أحيا عمرَ بنَ الخطاب، رضى اللهُ عنه، وطافَ بالمساجد الكبرى في صلاة الجمعة، وسمع الأحاديث والمرويات الضعيفة والموضوعة التي يليقها الدعاة والوعاظ على مسامع المصلين، لأمرَ بجلدهم واحدًا تلو الآخر، ولأصدر فرمانًا بمنعهم من الخطابة والوعظ، كما فعل عندما ساءهُ كثرة الكذب عن النبى الكريم في زمنه.


ما يقترفه خطباءُ المساجد الكبرى في مصر بحق الإسلام، كلَّ يوم جُمعة، بُحسن نيةٍ، يفوقُ ما يقترفه أعداؤه بالداخل والخارج بحقه، عن عمد وسوء قَصد، ويتطلب وقفة جادة وصادقة، بعيدًا عن المراوغات والمناورات التي باتت مكشوفة، ولا تنطلى على أحد.

من السذاجة بمكانٍ، أنْ يمضىَ العامُ وراءَ العام، نناقشُ فيه ما يُعرفُ بـ "قضية تجديد الخطاب الدينى"، وندَّعىَ بطولاتٍ لم تحدثْ على أرض الواقع، في الوقت الذي يعتلى فيه منابرَ المساجد الكبرى فتيانٌ وصبيانٌ وأشبالٌ ورجالٌ يهرفون بما لا يعرفون، ويخطئون من حيث يعتقدون أنهم يصيبون، ويشوهون صحيح الدين، ويُعكرون صفوه بأكاذيبَ وأباطيلَ وأراجيفَ، لا سندَ لها في قرآن، ولا دليلَ عليها في سُنَّة.

لا تزال فئة من الخطباء المُعتمدين الرسميين، تعتمدُ في بضاعتها، على أحاديثَ ومروياتٍ ونوادرَ وشواردَ، لا تستقيمُ مع دين قائم على القراءة والعلم وإعمال العقل وتعظيم دوره، فالإسلام لم ينزلْ من أجل المجازيب والدراويش وخِفاف العقول والأفئدة، ولم يتجشمْ نبىُّ الإسلام المشقة والعناء، ثلاثة وعشرين عامًا، من أجل ما يردده هؤلاء الخطباءُ من جهالاتٍ لا تصحُّ، ولا يجبُ تكرارُها والدفاعُ عنها، باعتبارها أصلَ الدين وصحيحَه، ومن ينكرها يسقط في فخ الكفر والنكران، وقد يحكمون عليه بالخروج من المِلة.

لقد تحولَ الإسلامُ بسبب هؤلاء الخطباء، وجميعُهم أزهريون، وبعضُهم حاصلٌ على درجة الدكتوراه، إلى دين تشوبُه الأساطيرُ، وتجتاحُه التخاريفُ، وتعشش فيه الأوهامُ، وتُظلله الأكاذيبُ، ما يوفر فرصًا للصغار وكارهى الإسلام بالسليقة، للتربُّص به وكتابة المطولات التي لا تخلو، بطبيعة الحال، من غمزٍ ولمزٍ واستهزاءٍ وسوءِ أدب، ومحاولات مكشوفة لادعاء البطولة والفهم، ومغازلة الغرب والكيانات المعادية للإسلام والحصول على المال الحرام!

في وقتٍ سابقٍ، تحدثتُ في هذه الزاوية عن مائة حديث ضعيف وموضوع ومكذوب، يرددها خطباءُ ووعاظُ المساجد، ويتداولها الناسُ، باعتبارها ثوابتَ دينية، لا يأتيها الباطلُ من بين يديِّها ولا من خلفها، وتمنيتُ على وزارة الأوقاف، يومئذٍ، في ظل جهودها الدعائية في تجديد الخطاب الدينى، أن تجمعها في كُتيبٍ، وتُعمِّمَها عليهم حتى يتجنبوها ويتحاشوها في خُطبهم وأحاديثهم، غيرَ أنى فوجئتُ بأنَّ قيادات الوزارة أنفسهم أكثرُ حِرصًا من مرؤوسيهم، على الاستعانة بها في خُطبهم ومداخلاتهم ودروسهم، وينفقون الوقت والجهد، للدفاع عنها وإثبات صحتها الواهنة.

في مسجد من مساجد آل البيت في قلب القاهرة، ووسط أكثر من عشرة آلاف مُصلٍّ.. وقف الخطيبُ، الذي كان يمتلكُ صوتًا قويًا وأداءً تمثيليًا مُدهشًا، يوم الجمعة الماضي، لا ليُعلمَ الناس مكرُمة ولا فضيلة ولا خُلقًا رفيعًا، ولكن ليردد حشدًا من الأساطير والخرافات مقطوعة الصلة بصحيح الدين، وإذا كان هذا هو حال المساجد الكبرى، فما بالكم بالزوايا والمصليات الصغيرة التي لا تزال بعيدة عن أية رقابة أو سيطرة حكومية؟

ولا أدرى كيف تشغلُ وزارة الأوقاف الرأىَ العامَ، بالحديث تارة عن "الأذان الموحد"، وتارة أخرى عن "الخطبة الموحدة"، وتارة ثالثة عن تكميم المساجد في الصلوات الجهرية والتراويح، في الوقت الذي عجزتْ فيه عن إنجاز دورها الرئيس عجزًا ذريعًا، يتحاكى به القوم ويتندرون عليه!

إنَّ ما يلقيه خطباء الأوقاف من أصحاب المؤهلات والدرجات العلمية الرفيعة في المساجد من خُطبٍ ودروسٍ وعظاتٍ، لا يرفع وعيًا، ولا يخلق تجديدًا، ولا يصنع جديدًا، ولا يقود مجتمعًا، ولا يعدو كونه أكثر من الدوران في الفراغ، وإهدار المال والوقت.. ولو كره الكارهون..
الجريدة الرسمية