مذكرات الفاجومي.. أنا وإمام
لم يكن "أحمد فؤاد نجم" الرجل الذي يعشق الأسماء أو الشخصيات من حديثه، بل من إبداعه، لذلك رحلته هو ورفيق عمره الشيخ "إمام" بدأت بموعد لا يعرف هو لماذا التزم به، لكن لم تبدأ علاقتهم الحقيقية إلا حين أمسك الشيخ إمام عوده وبدأ في العزف، القصة يحكيها الفاجومي في تلك الحلقة فيقول:
«وصلنا حوش آدم وفي البيت رقم 2 طلعنا الدور الثاني لقينا نفسنا في أوضة فيها شخص مهيب قدامه طرابيزة وماسك ماسورة في بقه وبينفخ، ورمى "سعد الموجى" التحية فرد الرجل بألاطة فاحترمته، وقدمهولي "سعد الموجي" الأسطى "محمد على" الشهير بـ"محمد الصايغ" فقلت له أهلا وسهلا تشرفنا ماردش عليا فاحترمته اكتر، وسأله "الموجي" أمال مولانا فين ما ردش لكن قام بص من الشباك ونده يا "إمام" انزل»
«أنا قلت ده أكيد رئيس حوش آدم بما فيها "سعد الموجي" وسمعنا خبط على الباب وبفتح لقيت الشيخ "إمام" والنوم لسه على وشه، وفجأة قال المحترم، أنا نازل يا "إمام" عايز حاجة من الأرزخانة قلت له منين ؟ قال من الأرزخانة قلت له إلهى ما توصل حابس دمي وملبش جتتي من الصبح وجاي دلوقتي تقولي أرزخانة، وانفجر "سعد الموجي" بالضحك والشيخ "إمام" وبعد التعارف طلب "الموجي" من أمام يسمعنا حاجة وأنا كنت اديت للشيخ "إمام" إيحاء بأني من شعراء الإذاعة..
وكان العود في نفس الأوضة، وبعد الدوزنة قالي لي "إمام" تحب تسمع إيه قلت له أي حاجة لـ"سيد درويش" أو "زكريا أحمد" وصرخ "إمام" حبيبي تعالي هنا جنبي بقى وخد عندك بقى تقاسيم العود اثبت لي أنه متمكن وبينه وبين العود علاقة عشق متبادل، وبدأت أقول الله وتحول وجه الشيخ لطفل»
تلك العلاقة لم تكن لتنتهي، يكمل "أحمد فؤاد نجم" «استمر الغنا لحد ما خلص أنا هويت وانتهيت، وبدون مقدمات سألت "محمد على" بعد ما نزل "سعد الموجي" هو أنا ممكن أبات هنا قال لي بات ياخويا هو أنا حشيلك على دماغي، بس حتنام فين قلت له حنام على الشوال ده وروحت مطوح مفتاح بيتي اللي في بولاق الدكرور من الشباك، وده كان سنة 1962 وهي أهم ليلة في حياتي وفي حياة الشيخ "إمام"»
لكن بالتزامن مع الحديث عن تلك الليلة، يحكي "أحمد فؤاد نجم" عن عمله في منظمة تضامن شعوب آسيا، والتي تتسق مع صورة مصر في الستينيات، لكنها أيضًا كانت مرتعا للعواطلية وبعض المبدعين، وإن كنت لا أعترض أن تمتلئ بالمبدعين فقط، الفاجومي يحكي لنا كل شيء عن تلك المنظمة والفساد الذي كان في عهد عبد الناصر ولكن من منظور آخر.
«في منظمة تضامن شعوب آسيا كنا بنمضى حضور 9 الصبح وانصراف 2 الضهر ولا شغلة ولا مشغلة لكن كنت قاعد في مكتب بتكييف وتليفون لكن الحلو ميكملش كان مقعدين معايا واحد زيي برضه لا شغله ولا مشغلة كان متطوع 1948 فخد له رصاصة في فكه، ومع هذا لا يكف عن الرغي لدرجة أنه جاب لي صداع، والمصيبة أنه كان متصور نفسه شاعر، وبيكتب يوميا 10 قصايد ولازم يقراهم ليا ويناقشني فيهم»..
والحقيقة أن "نجم" قابل كثيرين على شاكلة هذا الرجل، ورد لهم الجميل بذكرهم ولعنهم في كل كلمة ولقاء.
نعود لوصف المنظمة، فيقول الفاجومي: «أما مدير شئون المستخدمين فكان "حسن الإمام" وده كان ضابط في سلاح الفرسان ولما طلع على الاستيداع لجأ للأستاذ "يوسف السباعي" فعينه في المنظمة، والحقيقة أن المرحوم "يوسف السباعي" كان رجلا طيبا وشهما والدليل على كده كمية البشر اللي عينهم في وظايف مهمة وهما ملهمش أي لزمة لمجرد إنهم أصدقاء الشباب والرياضة..
أما مدير الشئون الإدارية "زكي شنودة" المحامي فكان بيتعامل مع نفسه باعتباره وزير، هو كان عضو في حزب الكتلة الوفدية، ورغم أن الكتلة كان بيفوز بمقعد واحد في البرلمان، لكن اخونا "زكي" كان عنده أمل أنه حيجي اليوم اللي تشكل فيه الكتلة الوزارة ،ويبقى وزير العدل على وجه التحديد، أما مدير الشئون المالية فكان اسمه عم "مهدي" وده كان باشكاتب في الخاصة الملكية وخدوه مع الأسلاب، وكان ممكن يتعامل معاملة أسرى الحرب لولا عبقريته في تسوية الحسابات وسد الخانات وتسديد الفواتير»
الحلقة المقبلة.. طفولة الشيخ إمام