رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ذكرى وفاة صلاح جاهين.. 33 عاما على رحيل صاحب الـ 1000 موهبة

فيتو

"أنا شاب لكن عمرى ولا ألف عام.. وحيد لكن بين ضلوعى زحام.. خايف لكن خوفى منى أنا.. أخرس لكن قلبي مليان كلام.. عجبى"، كلمات كتبها طفل كبير، اعتاد طوال حياته أن يملأ الدنيا مرحًا وفنًا، وأن يتنقل بين الزهور في بستان الفن بخفة لا مثيل لها، مكذبًا مقولة "صاحب بالين كذاب"، ومؤكدًا أن الفنان الحقيقي يمكن أن يكون صاحبًا لأكثر من "بال"، وأن يحقق نجاحًا مشهودًا في أكثر من مجال، بل وأن يترك بصمة فنية كالذهب، تزداد قيمة مع مرور السنوات، إنه صلاح جاهين، المُبدع الفذ، والفنان الشامل الذي تحل ذكرى غياب جسده عن دنيانا في 21 من أبريل الجارى، والخالد بروحه وفنه في القلوب رغم الغياب.


جاهين كان فنانًا استثنائيًا شاملًأ، أو كما قال عنه سيد مكاوى، "هرمًا من الفن"، وكما قال عنه نجيب محفوظ "صاحب الألف موهبة وموهبة"، الفن كان "ملعبه" أو "لعبته" كما تؤكد سامية جاهين، ابنته الصغرى من زوجته منى قطان، التي أوضحت أن هذه التعددية الفنية والإبداع الذي حققه جاهين في أكثر من مجال فنى، يرجع في الأساس إلى عدة عوامل، تأتى على رأسها الموهبة التي من الله عليه بها، وقدرته على الوصول إلى الناس بكل الأدوات، ومن بعدها تأتى الظروف التي مكنته من رؤية مصر بكل فئاتها وطبقاتها نظرًا لطبيعة عمل والده كمستشار، والتي تطلبت انتقاله من قرية إلى أخرى، فقد كونت هذه الخبرات لديه نوعًا من أنواع الثراء المعرفي الفطرى، بالإضافة إلى أنه أيضًا كان يحب تجربة كل جديد، ويعشق الاستمتاع بالفنون، فكان يحب تجربتها كافة، سواء التمثيل، أو الرسم أو كتابة أغانى الأطفال والفوازير، والمسرحيات والأغنيات الوطنية.

ابنة الشاعر الكبير أكدت أن سر نجاح والدها في عدة مجالات يكمن أيضًا في "تعبه على نفسه" وبذله مجهودا كبيرا لتطوير مواهبه وصقلها، ففى كل مجال فنى قرر أن يخوضه، كان يحاول دومًا الانفتاح على الثقافات المختلفة لاكتساب مساحات جديدة من المعرفة، فحينما كان يرسم الكاريكاتير، كان يتابع الكاريكاتير الأمريكي، وكان يمتلك عددًا هائلًا من المجلات المتخصصة في الكاريكاتير New Yorker في منزله، وكان متابعًا للكاريكاتيرات السوفيتية، وكان يبحث في الكتب التي تتضمن الرسومات الفرعونية محاولًا إعادة رسم هذه الرسومات، وحينما اقتحم منطقة الشعر، تؤكد سامية أنه اطلع على الشعر الأوروبي عامة والشعر الفرنسي خاصة، وحفظ شعر المتنبي، ومن بين كل المجالات والمناطق الفنية التي خاضها جاهين، تؤكد سامية أن الشعر هو أقرب فروع الفن لقلبه، خاصة أنه كان رائدًا من رواد شعر العامية مع فؤاد حداد.

وفيما يتعلق بإبداعاته في منطقة الشعر، يؤكد الشاعر زين العابدين فؤاد، أن جاهين وفؤاد حداد غيرا صورة الكتابة بالعامية، وأن صلاح جاهين يُعد شاعرا عبقريا من أهم شعراء مصر على الإطلاق، واصفًا إياه بالمسجون لدى عدد كبير من المتلقين والنقاد في أعمال مشهورة ليست بالضرورة هي الشعر المصفى الذي كتبه جاهين.

وأشار إلى أنه حينما يُذكر اسمه عادة ما يتذكر الجمهور الرباعيات والأغانى، وبالرغم من أن هذا جزء مهم من أعماله، إلا أن أثر جاهين الحقيقي في الشعر يكمن في قصائده من أول ديوان له "كلمة سلام" إلى "عن القمر والطين"، و"قصاقيص ورق"، فهناك عدد من القصائد غير المتداولة لجاهين تبرز عبقريته، وأرجع زين العابدين سر عبقرية جاهين الشعرية إلى قدرته على التصوير والبناء الدرامي للقصيدة بسحر خاص وبسيط، مؤكدًا أن الشاعر العبقرى هو الذي يترك أثرًا عميقًا بداخل نفس المتلقى للقصيدة بأقل الكلمات كما يفعل جاهين.

وكما كان عبقريًا في الشعر، فإن جاهين كان مبدعًا في عالم الكاريكاتير، ورسوماته كانت أقوى من عشرات المقالات، وأرجع جمعة فرحات، رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير، هذا التميز إلى إمكانياته الشعرية التي منحته قدرة خاصة على اختيار كلمات التعليق على الكاريكاتير، فضلًا عن موهبته الإضافية التي وهبها إياه الله وهى خفة الظل الربانية، بالإضافة إلى موهبة جاهين المشهودة في الرسم والتعبير بالخطوط، ولم يكن هذا فقط ما يتميز به الراحل وفقًا لفرحات الذي يؤمن أن جاهين رسام كاريكاتير يصعب تعويضه، ولكن أيضًا أفكاره المُبدعة المتميزة.

ومع إبداعاته المتعددة لم يكن غريبًا على صلاح جاهين أن ينجح أيضًا في عالم التمثيل والتأليف للأفلام والمسلسلات والمسرحيات وكتابة الفوازير والأغانى، وهذا ما أكده على بدرخان، مخرج فيلم شفيقة ومتولي الذي كتب له جاهين السيناريو والحوار، حيث أشار إلى أن صديقه جاهين كان فنانًا شاملًا، مؤكدًا أن هؤلاء المبدعين الناجحين في أكثر من مجال مثل جاهين عادة ما يكونون ندرة وقلة.

وأكد أنه بالرغم من هذا النجاح الذي حققه جاهين على مدى سنوات عمره إلا أنه كان إنسانا شديد التواضع، ولا يدعى المعرفة، فحينما كانا يعملان معًا، كان جاهين يحرص على التدقيق في كل ما يكتبه، فإذا كان هناك أمر يتعلق بمعلومات خاصة بالطب كان يرجع إلى طبيب ليسأله وهكذا، ويؤكد بدرخان أنه كان جادا ويبذل مجهودا كبيرا إلى درجة أنه كان من الممكن أن يعمل في اليوم على مدار 10 ساعات، وهذا بالتأكيد سر من أسرار نجاحاته المتعددة، والتي جعلته خالدًا حتى اليوم.

Advertisements
الجريدة الرسمية