رئيس التحرير
عصام كامل

الكـــــدَّابين!


لم يجلسْ يومًا إلى المنصَّة، وودَّعَ السلكَ القضائى مُبكرًا جدًا، ولكنه يصرُّ إصرارًا على أن يقرنَ اسمه بلقب "المستشار" زورًا وبهتانًا، سواء في وسائل الإعلام، أو على لافتات مكتب المحاماة الذي يمتلكُه، أو عند الحديث عن نفسه أو مع نفسه!


هذا المستشارُ الكذوبُ ليسَ وحدَه، فهذا الذي يتحصَّنُ برتبة "اللواء"، كاذبٌ أيضًا؛ لأنه طُردَ من الخدمة برتبة "ملازم أول"، ولكنه لا يزالُ يعيشُ في أحلام اليقظة، حيثُ يُرقِّى نفسه مع زملائه بالخدمة!

هذا الإخوانىُّ السابقُ، الذي جعلَ من نفسه "مُفكرًا ومُنظرًا سياسيًّا"، في غفلةٍ من الزمن، لا يمانعُ من أن يسبقوا اسمَه عند استضافته تليفزيونيًّا أو إذاعيًّا بلقب "الدكتور"، رغمَ أنه لم يحصلْ سوى على شهادةٍ جامعيةٍ من كلية الحقوق بتقدير "مقبول".

أمَّا ذلك القادمُ من إحدى محافظات شمال الصعيد، ليطعنَ في الأديان السماوية والكتب المُقدسة، ويعيثُ في رءوس العامة والبسطاء فسادًا، مُدَّعيًا حصولَه على درجة "الدكتوراه" من إحدى الجامعات الأمريكية، فهو اكتفى "في الأساس" بشهادة الثانوية العامة، وكان مجموعُه يومئذ لا يؤهله "أصلًا" للالتحاق بـ"معهد التمريض"!

كذلك.. هذا الذي تركَ الصحافة؛ ليخوضَ غِمارَ السياسة، لم ينسَ "من لزوم البرستيج"، أن يسبق اسمَه بلقب "الدكتور"؛ ضمن سلسلةٍ طويلةٍ من "الأكاذيب الشخصية" التي ينسجُها حول ذاته المُتضخِمة، رغم أنه لم يكلفْ نفسه عناءَ الالتحاق بالدراسات العليا بعد إنهاء شهادته الجامعية التي أخذت من عمره ثمانى سنوات!

أما هذا الإعلامىُّ المغوارُ والسياسىُّ الجبارُ، الذي لا يجيدُ ضبطَ كلماته ولا ترتيبَ عباراته، ويعتمدُ على شخصيته الهزلية والكاريكاتيرية، فلا يزالُ يقدمُ نفسَه للناس، ويقدمُه الناسُ، باعتباره "الدكتور فلان الفلانى"، رغم أنه حصل على شهادة معهد "الخدمة الاجتماعية" بصعوبةٍ بالغةٍ، ولم يعقبها بـ"دبلومة أو دراسات عليا أو ماجستير"، أو ما دونَ ذلك!

هذا الطبيبُ الذي يحشدُ في جميع لافتاته الدعائية وكروته الشخصية مجموعة من الألقاب والدرجات العلمية والدراسات والشهادات، فهو – في حقيقة الأمر- ليسَ أكثرَ من "مُمارس عام"، ولكنه وجدَ ضالته في هذه "الكذبة الكبيرة"، حتى نسى "أصله"، بمرور الوقت وتقادم السنين، فراحَ يُنظِّرُ ويتطاولُ على القاماتِ العلميةِ السامقةِ، والراسخين في العلم، ويُشككُ ويطعنُ في علمهم!

أما ذلك الضيفُ الثقيلُ الذي يتنقلُ بين ستوديوهات ماسبيرو، ويظهرُ في برامجه الرئيسية مثل: "صباح الخير يا مصر"، باعتباره عالمًا فذًا، وأستاذًا جامعيًا بإحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، فإنَّ الواقعَ يكشفُ كذبه وادعاءَه الرخيصَ؛ إذ لا وجودَ لتلك الجامعة التي ينسبُ نفسَه إليها "من الأساس"!

ولا يخدعنَّك هذا الأستاذُ الجامعىُّ والرمزُ الرياضىُّ الذي يُقدِّمُ نفسه للرأى العام، باعتباره رجلاَ شريفًا نزيهًا، خاصة بعد إدانته بحُكمٍ قضائىٍّ باتٍ بسرقة كتابه الأخير!

أمَّا هذا الشاعرُ الثائرُ، أحدُ إفرازات الثورتين الأخيرتين، فلم يتوارَ خجلًا، ولم يوقفْ أمسياتهِ مدفوعة الأجر، بعدما ثبتَ أيضًا سطوُه على أشعار غيره، وتضمينها في دواوينه والتربُّح منها ماديًا ومعنويًا، والصعود من خلالها إلى منصَّاتِ التتويج، والحصول على جوائزَ مليونيةٍ!

وقد لا تعلمُ أنَّ رئيسَ الجامعةِ الذي كان يزعجُنا بالحديثِ عن "الضبط والربط" داخل الجامعة، فضلًا عن خطبه وكتاباته عن القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة، تمتْ إدانته بالتزوير في أوراقٍ رسميةٍ، حتى يبقى في الخدمة إلى عمر 65 عامًا، وليس 60 عامًا!

وربما غرّتك تلكَ المذيعةُ الرقيقةُ الناعمةُ الحالمةُ، بحلو حديثها، عن الحياة الزوجية، والعلاقة بين الزوجين، وضرورة أن تسودَها الرحمة والسكينة والألفة؛ وتمنيتَ أن تكون زوجتُك مثلَها، لسببٍ بسيطٍ، وهو أنك لم تعلمْ بعدُ أنها جرَّدتْ زوجها الأولَ من كلِّ ما يملكُ وتحرمُه من رؤية أبنية، وتستعدُّ لتكرار السيناريو ذاته مع زوجها الثانى، بعدما كلفتْ محاميَها بمقاضاته أمام محاكم الأسرة، وبدأتْ في حملة التشهير به وسطَ صديقاتِها ومعارفِها وخاضتْ في أمورٍ تعفُّ "بناتُ الأصول" عن الخوض فيها!

ولا يغرُّنكَ هذا الحقوقىُّ، ولا تخدعْك مواقفُه "التليفزيونية"، في الدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان؛ فقد كان عاقًّا لوالديه، ومنعهما من حضور حفل زفافه قبلَ نحو عشر سنواتٍ؛ بناءً على رغبة عروسه وأسرتها، وبعدما قضى أبواه نحبَهما، استغلَّ نفوذَه وعلاقاته المُتشعبة، فأدخل شقيقه الأكبر مصحّة نفسية، وقاطع شقيقاته الثلاث؛ ليستأثر بميراث أبويه وحدَه!

وإياكَ أن تنخدعَ في هذا المؤيدِ الداعم "على طول الخط"، متظاهرًا بالوطنية، ومُشككًا في وطنية من لا يوافقه في نفاقه، فكلُّ من عاشرَه ورصدَ تاريخَه وتحولاتِه، لا يساورُه شكٌّ في أنَّ عقيدته في الحياة البيتُ الذي قاله "جريرٌ" عن "الفرزدق": فإنَّكَ لَوْ تُعطى الفَرَزْدَقَ دِرْهَمًا، عَلى دينِ نَصْرَانِيّةٍ لَتَنَصّرَا!

أما هذا المطربُ الذي يتظاهرُ بالوطنيةِ في أعماله وإطلالاته التليفزيونية، فهو يستعينُ هو وزملاؤه المطربون الوطنيون مثله، بمحاسبٍ كبيرٍ، لتزوير إقراراتهم الضريبية كلَّ عام، رغم دخولهم الكبيرة؛ حتى لا يدفعوا مليمًا واحدًا لخزينة الدولة التي يتغنَونَ باسمها ويتظاهرون بالدفاع عن رايتها.

ومِن المؤكدِ.. أنَّ هذا الشيخَ الفصيحَ كان يُبهرُك ويُقنعك بدعوته إلى الزهد والترفُّع عن ملذات الدنيا، انتظارًا لنعيم الآخرة؛ مُعتمدًا على عدم معرفتك بحالةِ الرغد التي يرفلُ فيها، من قصرٍ منيفٍ، إلى سيارتين فارهتين، إلى شاليهين، أحدُهما في الشمال، والثانى في الجنوب، فضلاَ عن استبداله النساءَ، كما يستبدلُ أحدُنا جواربَه.

حتى ذلك المتسولُ، الذي يكادُ قلبُك ينفطرُ عليه إشفاقًا، كلما مررتَ عليه، فقد أوقفتَه الشرطة مؤخرًا، واكتشفتْ أنه "مليونيرٌ" بالمعنى الحرفىِّ للكلمة، وأنه يتخذُ من التسُّول مِهنة وحِرفة، فكوَّن ثروة طائلة، وصارَ له حسابٌ بنكىٌّ، وبناية شاهقة في مسقط رأسه بجنوب مصر، في الوقت الذي لا تزالُ تتنقلُ فيه "أنتَ" من شقة "إيجار جديد" إلى أخرى، وتعجزُ عن سداد أقساط ربع أو نصف سنوية لشراء شقة صغيرة، تؤوى فيها أسرتك الصغيرة، وتُخرجُ طفلكَ الوحيدَ من مدرستهِ الخاصَّة، إلى مدرسةٍ حكوميةٍ، فصولُها مُكتظة، وخدماتُها دونَ المستوى؛ ترشيدًا للنفقات، وترتيبًا للأولويات، وتجنبًا للاقتراض.. ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.
الجريدة الرسمية