رئيس التحرير
عصام كامل

يحيى الفخراني.. مفسر الألغاز الموهوب بالفطرة

فيتو

تشاهده يأسرك، يقنعك عن طيب خاطر، يقلب مقاييس حرفة التمثيل رأسا على عقب، يضع لها عناوين جديدة، يكفي تماما أن تكون موهوب بالفطرة، وابن مجتمعك، وتهضم هموم الناس، وتدرك مواطن انفعالاتهم، وما تحكيه ملامحهم، بجانب ثقافة نفسية واجتماعية، لتصبح مثل الفنان الكبير «يحي الفخراني»، الذي يناسب اليوم ذكرى ميلاده من عام 1945.




يعيش الفخراني الآن في منتصف السبعينيات من عمره، ولكنه لازال قادرًا على الابتسام، كطفل بريء، يرى المستقبل دون رتوش صادمة، يجعلك تعيش معه يوميات «حمادة عزو»، بوده المفرط وانهزاميته وتمرده على كل أنواع المسئولية، ولكنك لن تكون أقل شغفا، ولا أكثر عدائية، عندما تراه هو نفسه يقدم لك «ونوس» الشيطان الصديق العدو، الذي تكتشفه يوميا، في وجوه قريبة منا، نطاردها وتطاردنا.



ونوس | يشكك في أقرب الأقربين علشان يخرب عليكِ بيتك

درس «يحيى» الطب، حصل على البكالوريوس عام 1971 من جامعة عين شمس في القاهرة، وربما ساهمت دراسته ورغبته في التخصص بالطب النفسي، في تشكيل عظمته الدرامية، هو «آل باتشينو» عندما يجسد أدوار إنسانية، وداستن هوفمان في التلقائية والحضور الطاغي.

مسلسل يتربي في عزو.. أصعب مشهد ليحي الفخراني عند وفاة والدته

تصريحات الفخراني في السياسة والحياة، وعقله النسبي المتشكك دائما في ما يظنه الناس أمر واقعا، تجعلك على اقتناع أنه يرى كل شيء ما عدا الفن محدد ومحدود، هو بالنسبة له حياة أكثر من الحياة نفسها، فلا مجال إلا للتصالح مع الدور والمخرج والسيناريست، وحتى المشاهد نفسه، الذي يقبل عليه بعقد مسبق، واتفاقات لا مجال فيها للمناورة أو المواءمة، يجرب فيها الكوميديا مرة، والمأساة مرات متعددة، يعيش التجربة ويبحث بشكل دائم عن نفسه، ولا يتردد في ترك ما تحت يديه من مغانم، في سبيل ذلك.



يعيش يحيى الفخراني أدوارا تناسب خصوصيته، هو دائم البحث عن نفسه، قدم شهاب في فيلم الأقزام قادمون، وكشف من خلاله ملامح لا يعرفها أحد، عن من يظنهم الناس مستضعفون في الأرض، وهم المعنى الحقيقي للحياة، نفس التيمة الإنسانية التي يبحث عنها، كانت تحمسه لـ«للحب قصة أخيرة» وقدم أداء مبهرا في واحد من أعظم 100 فيلم بالسينما المصرية، وفضح فيه كوارث الدجل الديني، وكان ظاهرة خبيثة ولا تزال في المجتمع المصري.

يحاول الفخراني دائما في كل شخصية يقدمها أن يكون هو «مفسر اللغز»، أفلامه ومسلسلاته المتنوعة، عكست دائما قضايا مبهمة وجدلية، من الكيف إلى جريمة في فجر الخميس، للمشردين، أوهمنا أنه «خرج ولم يعد» مع محمد خان، ولكنه عاد أكثر إشراقا في أبنائي الأعزاء شكرًا، وقدم تحفه فنية لازالت من أهم علامات الدراما المصرية.

قال «لا» بصرخة جذرت معنى الكلمة في نفوس كل من شاهدها على لسانه، وترجم بحرفية إنسانية، أفكار الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين، والمخرج يحيى العلمي، وعلمنا ماذا يمكن أن يحدث، إذا وجدنا أنفسنا يوما ما، بلا اسم، ولا هوية، في سجن بلا محاكمة ولا قانون.

مشهد مؤثر ليحيى الفخراني

في حياة الفخراني الخاصة، ما هو جدير بالمتابعة أيضا، من بداية كواليس تعلقه بالدكتورة لميس جابر، الطبيبة والأديبة، التي قدمت له درسا إنسانيا في الاحتواء، وفجرت بداخله الرغبة في الارتباط منها كزوجة وصديقة وشريكة، رغم هويتها الدينية المختلفة عنه، كونها مسيحية وهو مسلم، إلا أنه عاش كما أراد، تزوجها وأنجب منها، شادي، وطارق، ليصبح حالة فريدة في حياته الخاصة، كما هو في فنه، وشخصه، وأفكاره.


الجريدة الرسمية