رئيس التحرير
عصام كامل

خصوم الرئيس


خصومُ الرئيس الذين أقصدهم، ليسوا من يجاهرون بعداوته على رؤوس الأشهاد، وعبر مَنصَّات التواصل الاجتماعى، ومن خلال الفضائيات المأجورة والمُستأجرة، ولا الخلايا النائمة في الجهات والمؤسسات الحكومية والرسمية، فمثلهم معروفٌ للقاصى والدانى، ولكن أقصدُ مَن يسيئون إليه نفاقًا وتملقًا؛ بحثًا عن مصالحَ شخصية ومنافعَ ذاتية، كأن يضمنوا خلودًا في مناصبهم الزائلة.


قديمًا قالوا: "اللهمَّ اكفنى شرَّ أصدقائى، أما أعدائى فأنا كفيلٌ بهم"، فبعضُ الأصدقاء يُشبهون في تصرفاتهم الدبَّة التي قتلتْ صاحبها عندما أرادتْ أن تُبعد ذبابة عن وجهه، وهؤلاء هم مَن أقصدُهم، حيثُ يملؤون الأجواءَ نفاقًا رخيصًا وتزيُّدًا بليدًا، فيمنحون الأعداءَ الحقيقيين، الفرصة سانحة للإساءة إلى مصرَ: رئيسًا وحكومة وشعبًا.

بعضُ صغار المسؤولين وضعافُهم يتمسَّحون بالرئيس، ليواروا أخطاءهم وخطاياهم وتقصيرهم وقلة حيلتهم، من خلال إطلاق تصريحاتٍ ممزوجةٍ بالنفاق، يثيرون بها جدلًا وصخبًا وسُخفًا، وتكون مادة دسمة لـ"فضائيات الشرِّ ومنابر الفتنة" في الدوحة وإسطنبول.

الرئيسُ، الذي ينحني مُتواضعًا ليُقبلَ يد أم ثكلى، أو رأسَ أبٍ مكلومٍ أو يحملَ طفلًا اغتال الإرهابُ والده، لا ينتظر نفاقًا ممجوجًا، ولا يترقب غَزّلًا مكشوفًا، لأنه لا يريد من الجميع – كما يقول- سوى العمل الجاد والدؤوب.

عندما يربط مسؤولٌ دينىٌّ ذكرى "الإسراء والمعراج" بقراراتٍ رئاسيةٍ خاصَّة برفع الأجور والمعاشات، ظنًا منه أنه بذلك يُؤمِّن نفسه ضد الإقالة أو الاستبعاد ويضمن منصبًا أرفع، فإنه بذلك يسئ إلى الرئيس ولا يُحسن إليه.

هذه النماذجُ الرخيصة من التصريحات والمغازلات المتداعية المكشوفة تفتحُ البابَ واسعًا أمام أعداء الرئيس في الداخل والخارج، ليزايدوا ويتطاولوا ويتجاوزوا ويسخروا ويستهزئوا.

هذا المسئول، ليس بدعًا من المسؤولين، فمثله - بكل أسف- كثيرون ومتوفرون في كل جهة ومؤسسة، لا يشغلهم الإتقان في عملهم، بقدر ما يشغلهم البحثُ عن أقصر الطرق التي تضمن لهم البقاء في دائرة الضوء، حتى لو كان ذلك على حساب الدين!

القرآن الكريم حذر من هؤلاء الناس الذين يبالغون في النفاق ممن ضلَّ سعيهم في الحياة ويحسبون أنهم يُحسنون صُنعًا، والذين إذا قيل لهم في الأرض قالوا: إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون، ودعا إلى مقاطعتهم وتجنبهم.

مثل هؤلاء لا ينبغى أن يستأنس الحكامُ بهم، أو يسترشدوا بآرائهم، أو يقربوهم إلى مجالسهم، لأنهم أصلُ الخراب في كل عصر، ووقائعُ التاريخ حاضرة لا تغيبُ، وشاهدة لا تكذب.

عانى المصريون، عامًا كاملًا أثناء حكم الإخوان، من خلط الدين بالسياسة، وكان شرًَّا مستطيرًا وخطرًا جسيمًا، لا ريبَ في ذلك، ورغم زوال حكم الإخوان، فإنَّ الظاهرة الأسوأ عبر جميع فصول التاريخ الإسلامى، لا تزال تكتب فصولًا جديدة، ولم تجد من يُسدلُ الستارَ عليها.

الإسلامُ أعظمُ شأنًا من أن تلوكه ألسنة المنافقين، وأن يتخذوه بضاعة لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم، كما لا يصحُّ أن يتم تمكين مثل هؤلاء السفهاء، ليملأوا الدنيا جهالة وسفاهة، بل يجب قطع ألسنتهم، فمن أجل هؤلاء، يُلحد الملحدون، ويتطاول كارهو الإسلام بالسليقة، من صبيان العلمانيين وصباياهم، على الدين الخاتم.

الرئيسُ، الذي يصلُ الليل بالنهار عملًا واجتهادًا وسفرًا وترحالًا، لن يُسعده نفاقُ المنافقين ولا تملقُ المتملقين ولا تنطع المتنطعين ولا تزلُّف المتزلفين، ولن يرضى عنهم، ولن يحقق لهم أحلام اليقظة التي يعيشون تحت ظلالها، ولكن الأوْلى والأهم هو أن يتم تجفيف الظاهرة من منبعها، واستئصالها من جذورها، فهؤلاء هم الخصومُ الحقيقيون للرئيس الذين يُسببون له الضرر والأذى، وأتمنى أن يجد هذا الصنف من المسؤولين الإهمال والتجاهل من جانب دوائر صُنع القرار، حتى يكونوا عِبرة لغيرهم؛ حفظًا للدين، وصونًا للرئيس.

الجريدة الرسمية