رئيس التحرير
عصام كامل

حجاب «جاسيندا».. وأحرار وحرائر مصر!!


بمشاعرَ مُفعمة بالإنسانية والتسامُح، ومرتدية حجابًا رمزيًا.. حرصتْ رئيس وزراء نيوزيلندا "جاسيندا أرديرن"، يومَ الجمعة الماضى، على المشاركة في مراسم تشييع ضحايا "مجزرة المسجدين" التي خلفت نحو سبعين شهيدًا ومصابًا من المهاجرين المسلمين.


"عزاؤنا معكم.. ونحنُ واحد".. هكذا تحدثتْ السيدة الأربعينية التي حضرتْ إلى مسجد "النور" وسط حشد من مسؤولى بلادها ومئات النيوزيلنديات اللاتى التزمن بإرتداء الحجاب، مثل "جاسيندا"، تضامنًا مع أسر الشهداء والمصابين.. والمسلمين الذين احتشدوا للصلاة، كما حرصتْ مذيعات التليفزيون الحكومى والشرطيات على تغطية رؤوسهن أيضًا في هذا اليوم.

كانت "جاسيندا" استبقتْ تشييع جثامين الشهداء، بحزمةٍ من القرارات والتدابير والإجراءات، التي عكستْ نُضجها الإنسانى قبلَ السياسي، ولقَّنتْ العالم بأسره، حُكامًا ومحكومين، دروسًا في التعامل مع هذه النوعية من الجرائم والحوادث الإرهابية، ولم تستخدمه فزَّاعة في التضييق على شعبها، ولم تستسلمْ له فتتضاعفَ خسائرُها أو خسائرُ بلادها، ولكنها تمكنتْ بذكاء منقطع النظير، من أن توظفه لمصلحتها ومصلحة بلادها، فعرف العالمُ بأسره اسمها، وأصبحت مرشحة بقوة للحصول على جائزة نوبل للسلام، كما رأى العالمُ كله في تلك الدولة الهادئة بلدًا حضاريًا وإنسانيًا من طراز نادر..

كما قدمتْ "جاسيندا"، التي لم تكملْ عامها الأربعين بعدُ، خطابًا سياسيًا راقيًا عاقلًا، لم تنقصْه الحكمة، ولم يغبْ عن كلماته وحروفه الذكاءُ، ولم تختبئْ في مكتبها، بل نزلتْ فورًا إلى الميدان، وذهبت إلى الأسر المنكوبة، وقدمتْ لها العزاء، وأعلنتْ عن دعمها للجالية المُسلمة، وأمرتْ بإذاعة الأذان عبر الإذاعة والتليفزيون الرسميين، كما افتتح برلمان بلادها جلسة الثلاثاء الماضى بتلاوة قرآنية مُباركة!!

إن دولًا غربية كثيرة تشهدُ حوادثَ إرهابية على غرار "مجزرة المسجدين"، ولكن لم نشهد في أىٍّ منها، المسئولية والحكمة والإنسانية التي أظهرتها السيدة "جاسيندا أرديرن"، ولم يتخذ مسؤولٌ واحدٌ إجراءً واحدًا، ولا موقفًا واحدًا من الإجراءات والمواقف التي اتخذتها وأبهرتْ العالم بها.

اللافتُ في الأمر.. أن تعاطى المسئولة النيوزيلندية مع "مجزرة المسجدين" بين الجُمعتين، لم يثر غضبَ الداخل النيوزيلندى، ولم تتسابقْ وسائلُ الإعلام في بلادها على انتقادها بسبب تضامنها مع الشهداء والمصابين، أو لارتدائها ومئات من سيدات نيوزيلندا الحجاب، أو لافتتاح جلسة البرلمان بتلاوة قرآنية.

لم تستنكفْ "جاسيندا" ورفيقاتها من ارتداء الحجاب، في الوقت الذي تلتئمُ في مصر مؤتمراتٌ، وتنعقدُ استوديوهاتٌ، وتؤلفُ كتبٌ، وتُخصص مساحاتٌ واسعة من الصحف، للغمز في الحجاب، واللمز في النقاب، والدفاع عن الحق في التعرى وكسر الثوابت الدينية والتابوهات الأخلاقية.

في مصر.. سيداتٌ شائخاتٌ يناضلنَ من أجل تسفيه فضيلة الاحتشام، ويعتبرنها تخلفًا ودونية ورجعية. وفى مصر مُسنون يدعون إلى النزول إلى الميادين والتظاهر، رفضًا للحجاب، وطلبًا للتحرر وكشف العورات.

"مجزرة المسجدين"، رغم بشاعتها، إلا أنها جاءتْ كاشفة ودالة، على أن مسلمى الداخل من المُتمسحين بالليبرالية وحاملى ألوية الحريات، يعانون خللًا نفسيًا واضحًا، لا تخطئه عينٌ، في التعاطى مع الحوادث الإرهابية، حيث يتعاملون معها بـ"انتقائية رخيصة"، وتقودُهم "نظرية المصلحة"، ويحكمُهم "منطق خالف تُعرف".

لقد كشفتْ "جاسيندا أرديرن"، دون أن تقصد وبدوافعَ إنسانية صادقة، عوارَ أفكار ليبراليات مصر وليبراليِّها، الذين يضبطون كتاباتهم وفق مؤشر ذاتى لا علاقة له بالإنسانية التي يتشدقون بها من قريبٍ أو بعيدٍ.. شكرًا لـ "جاسيندا" وإنسانيتها وحكومة بلادها، وغفرَ الله للشهداء.. ولا عزاءَ لمنتخب الإفك والضلال..
الجريدة الرسمية