رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا تعني حقوق الإنسان كشأن دولي؟


يتغير الاستبداد ولكن تبقى مصطلحاته وأدواته ومفرداته كما هي من مستبد لآخر، وفي مصر وعلى مدى العقود الأربعة الأخيرة، نعيد اجترار مصطلحات ترهيبية اتهامية من أجل عزل المواطن المصري عن حقوقه الدولية وإعلاء ثقافة العيب والإنكار على مبدأ الحق والعدل، وفقًا لمقولة "يخشون الفضيحة ولا يخشون الرذيلة".

وللأسف يساهم كثير ممن يعملون في حقل الثقافة في ترديد هذه المصطلحات، إما بدافع مساندة المستبد من أجل مصالحهم الخاصة، أو بدافع من وطنية مزيفة، ومن هذه المصطلحات (الاستقواء بالخارج، تشويه سمعة مصر، الكلام والحوار يكونان في الداخل وعلى المائدة المصرية)، وهل المستبد يتحاور أصلًا؟ وماذا لو كانت مائدة الداخل من أجل التهريج والابتزاز والاستقطاب وتضييع الوقت وليس الحل؟

المهم كل هذا العبث يصب في النهاية في تقوية المستبد وفي إضعاف المواطن.. وقد أثير هذا الكلام مؤخرًا بعد إعلان المستشار الزند عن تدويل الاعتداء الجائر والمخطط على القضاء المصري، ونسي هؤلاء جريمة تقويض أسس العدالة في مصر، وتمسكوا بكلام فارغ عن الاستقواء بالخارج.

في المقابل ماذا نعني بالحقوق الدولية للمواطن؟ وما معنى أن حقوق الإنسان شأن دولي؟

أولًا: الحقوق الدولية للمواطن هي المكمل لحقوقه الدستورية، وإن لم يتضمنها الدستور ويؤكد عليها يكون دستورًا معيبًا ومشوهًا وجائرًا على حقوق المواطنين . 

المفروض أن تكون هناك حماية وطنية لحقوق الإنسان بتوفيق الدستور والتشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وحماية ذلك من قبل القضاء الوطني، وهذه الحقوق الدولية الأساسية متضمنة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي القانون الإنساني الدولي، وفي الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وفي  المواثيق والمقررات الدولية.

ثانيا: تعني أيضًا أن العدالة الدولية جزء أساسي ومكمل للعدالة المحلية، والبديل لها في حالة فشل العدالة المحلية، ومن ثم فإن اللجوء للمحاكم الإقليمية والدولية يشكل أحد الحقوق الدولية الرئيسية للمواطن، فالمسألة لم تعد شأنًا محليّا فقط، ولكن أضحت جزءًا من المسئولية الدولية تجاه مواطني العالم.

ثالثًا: تعني أيضًا أن حقوق المواطن الدولية تعلو وتتجاوز مسألة سيادة الدول بالمفهوم التقليدي للسيادة المعمول بها منذ معاهدة وستفاليا لعام 1648، فحياة الإنسان وحرية الإنسان وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان هي أمور أكثر أهمية بكثير من سيادة الدول، فسيادة المواطن هي أساس سيادة الدولة.

ومنذ محاكمات "نورمبرج" تم تدويل المسئولية الفردية، وكان هذا أول اختراق لسيادة الدول وصميم سلطانها الداخلي، وجاء تأسيس اتفاقية الإبادة لعام 1948على فرضية أن هناك حقوق إنسان دولية لا يمكن انتهاكها بالسيادة الوطنية.. واستمر فقه حقوق الإنسان يتطور بعد ذلك لتطويع السيادة لآليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان.

رابعًا: دولية حقوق الإنسان تعني أيضًا أنه من حق أي شخص في العالم أن يتناول أوضاع حقوق الإنسان في أي دولة، ويقدم تقارير عنها للجهات الدولية وللرأي العام الدولي وللعدالة الدولية، ومن حقه مناقشة هذه الأوضاع وهذه التقارير في أي مكان في العالم، وهذا الحق هو الذي تأسست بناء عليه منظمات حقوق الإنسان الدولية المستقلة.

خامسًا: دولية حقوق الإنسان تعني أيضًا شرعية الشكوى من المظالم عالميّا، ليس فقط للمنظمات الأممية والمحاكم الدولية، ولكن أيضًا للرأي العام الدولي وللمحاكم ذات الأهلية الدولية، والتي تقبل مثل هذه القضايا، وهذا ينطبق على الفرد بقدر انطباقه على الجماعات والهيئات والأقليات والشعوب، فعالمية حقوق الإنسان منحت الفرد مركزًا قانونيّا دوليّا في مسائل حقوق الإنسان بصيغة المتمتع بالحقوق والمسئول عن انتهاكها.

سادسًا: عالمية حقوق الإنسان أيضًا عززت دور منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية في حماية حقوق الإنسان دوليّا، فالمنظمات غير الحكومية باتت شريكًا دوليّا للأمم المتحدة كممثل للمجتمع المدني، ووصل دورها إلى اعتبارها كجهة تحقيق محلية ودولية يؤخذ بتقاريرها أمام أعلى محكمة جنائية في العالم وهي  المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم أصبحت جزءًا من المسئولية الدولية، علاوة طبعًا على أن بياناتها وتقاريرها تشكل مصدرًا هامّا للرأي العام الدولي الباحث عن الحقيقة.

ففي حالة تدني مستوى التحقيقات أو غيابها أو عدم استقلالها عن السلطة التنفيذية تقوم المنظمات غير الحقوقية كجهة تحقيق بملء هذا الفراغ من خلال تقاريرها التي يجب أن تتحرى الدقة الكاملة في رصد الحقيقة، ولهذا تحارب الأنظمة المستبدة منظمات المجتمع المدني، وخاصة الجادة والمستقلة، والتي تعمل بمهنية عالية تجعلها محل ثقة دوليّا.

سابعًا: عالمية حقوق الإنسان أيضا تعني واجب الدولة في استقبال ممثلي المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والمنظمات غير الحكومية الدولية، وتسهيل عملهم في مراقبة حقوق الإنسان، ومنحهم الحق في الإقامة في الدولة وفتح مقار لمنظماتهم وحمايتهم أثناء عملهم، وحقهم في التنقل في الدولة وفي مناطق التوترات والانتهاكات، ومقابلة الشهود والتسجيل معهم، واستخدام أدواتهم في التسجيل والتصوير، وإجراء المقابلات ومقابلة ضحايا الانتهاكات، وكذلك تنظيم عمل المنظمات المحلية بقانون يمنحهم كافة الصلاحيات والحريات في مراقبة وتسجيل أوضاع حقوق الإنسان والتفاعل مع أقرانهم من منظمات المجتمع المدني  الدولية.

ثامنًا: كوكبية حقوق الإنسان أيضًا تعني توفير رعاية خاصة للفئات الضعيفة، مثل المرأة والطفل والأقليات والمعاقين.. واحترام حقوقهم الخاصة المقررة في المواثيق الدولية، كما تعني حقهم في الشكوى والتظلم والتقاضي دوليّا في حالة إهدار الدولة لهذه الحقوق.

تاسعًا: عالمية حقوق الإنسان تعني أيضًا أن مجالها ومجال حركتها العالم كله؛ لأنها في النهاية تعبير عن إنسانيتنا المشتركة وتقاسمنا المعيشة على كوكب واحد، وتهدف إلى إخراجنا من كهوفنا وخنادقنا ومغاراتنا وسجون عقولنا التي حبسنا أنفسنا فيها أو حبسنا المستبدون فيها، إلى النادي الإنساني المشترك الذي يحافظ على حريتنا وكرامتنا وحقوقنا المتساوية.

الجريدة الرسمية