رئيس التحرير
عصام كامل

قبضة الدولة في مواجهة «صانعي الدماغ»


حسنا فعلت وزارة الأوقاف ببدء تحليل المخدرات لموظفيها وبتأكيدها أنها «ستطبق القانون بحسم باتخاذ إجراءات فصل أي موظف يثبت تعاطيه للمخدرات، وأن الممتنع عن التحليل في حكم المتعاطي»، وتحية إلى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بتصريحه «أن الوزارة ستفصل أي موظف يثبت تعاطيه للمخدرات، التزامًا بقانون الخدمة المدنية»، وليت كل الوزارات والجهات الحكومية تحذو حذو الوزارة.


لا أنكر في تناول الخطوة التي انتهجتها الوزارة ربما جاءت بعد حادث القطار المشؤوم، وخروج الدكتور عمرو شعث، نائب وزير النقل، بتصريح مفاده أن تم «إجراء تحليل مخدرات للسائق المتسبب في حادث محطة مصر، منذ عامين، وأثبت تعاطيه المواد المخدرة، وتم توقيع عقوبة عليه بالإيقاف عن العمل لمدة 6 أشهر، ثم إجراء كشفين مفاجئين كانت نتيجتهما (سلبي) وعاد للعمل».

وعلى أية حال فلقد ثبت بالدليل القطعي مدى تأثير الإدمان القاتل إذ يودي بحياة الكثيرين سنويا بحوادث يكون العنصر البشري السبب الأول فيها، ولكن يبدو من خلال التصريحات الرسمية أن الدولة ستكشر عن أنيابها وتتدخل بيدها الطولى في مواجهة «صانعي الدماغ» ممن ابتلانا الله بهم في الجهاز الإداري للدولة، والتي ظنوها جهلا بأنها «الأم الحنون»، التي لا تقسو على أبنائها مهما أخطأوا وأنهم بحكم وظيفتهم «الميري في الحكومة» قد ورثوا مواقعهم التي أكسبتهم المراكز المالية والقانونية المقدسة، حسب اعتقادهم..

والحقيقة أن هؤلاء المغيبين تحت تأثير الصنف جهلوا أو تجاهلوا أن ذات الدولة التي ظنوها «أمهم» لها اليد الطولى في تطبيق قانون لا يرحم جانيا بحق أرواح بريئة قبل أن يكون جانيا بحق نفسه.. وأذكر تعليقا سمعته من أحد رجال القضاء بشأن العقوبات التأديبية حينما قال: «إن الفصل من العمل عقوبة تأديبية تعادل عقوبة الإعدام التي تطال مرتكب جناية القتل».

والحق أن «الفصل من العمل» فعلا، هو العقوبة الأنسب لمن لم يراع قدسية واجبه والأمانة المؤتمن عليها أمام الله، قبل أن يؤتمن عليها أمام الدولة، ولست أتصور مدمنا للمواد المخدرة يعمل سائقا أو بالمجال الصحي أو في أي جهاز أو وزارة، ورحم الله من قال «لا تأمنن فاسقا فإنه قد خان أول منعم عليه»، لذلك فالمدمن لا يؤتمن حتى على أهله وأبنائه فكيف تأمنه الدولة على مواقع المسئولية، حتى لو كانت تلك المواقع وظيفة لعامل».

والسؤال الآن.. «لماذا موظفو الحكومة؟» والإجابة أن القطاع الخاص أيضا من المفترض أن يخضع العاملون فيه إلى تحليل مخدرات فكلا القطاعين – الحكومي والخاص – يؤدي العاملون فيه أدوارا هامة.. ولا أجد غضاضة من خضوع موظفي القطاع الخاص لتحليل المخدرات..

ومن الطبيعي ألا يخشى الأمناء الأصحاء أمر التحليل طالما أنهم واثقون من سلامتهم، أما الادعاء بأن «تحليل المخدرات إهانة للموظف وامتهان له» فهذه كلمات تصلح شعارا للمدمنين وتجار المواد المخدرة؛ لأن المخدرات لا تقل خطرا عن الإرهاب وكلاهما في التدمير سواء..

وما زالت أستعيد النجاح الذي تحققه الدولة بالمبادرات التي تتبناها لكشف الأمراض وعلاجها، مما يرفع سقف المطالب والآمال نحو نجاح جديد يرتقبه الشارع بوضع إستراتيجية شاملة للقضاء على المخدرات في مدة زمنية محددة؛ وعندها ستجوز لي «الشماتة» في تجار السموم المحرمة الذين يجنون المال الحرام دون وازع من ضمير.. والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية