رئيس التحرير
عصام كامل

مذكرات موسى صبري (3)


التلميذ ينقلب على أستاذه..
"موسى صبري" حاوٍ ولا شك، يعرف ألاعيب الكلمة كما يعرف ألاعيب السياسة، عيناه دومًا مصوبة ناحية تاريخ كل شخصية يعاديها، ولديه يقين بأن الكلمة المطبوعة أقوى دليل، في معركته مع «هيكل» استخدم مقالات الأخير القديمة قبل ثورة يوليو وهي كنز ووجه مُظلم لـ«الأستاذ»، تلك الطريقة اتبعها أيضًا مع "مصطفى أمين".


في تاريخ صاحبة الجلالة تبدو معركة "مصطفى أمين" و"هيكل" هي الأشهر، الأخير خصص كتابًا كاملًا يتحدث فيه عن وقائع جاسوسية "مصطفى أمين"، أما مؤسس أخبار اليوم فقد خصص 9 كتب بعدد سنواته في السجن ليتحدث عما حدث له في تلك التجربة.

هل لنا أن نُعيد النظر في الأسماء الكبيرة دون أن نخدش حياء أحد، ودون أن يعتبر أحد أن ذلك هجوم على العمالقة، ودون أن يوجه إلينا القاصي والداني سؤال «مين إنت؟».

"موسى صبري" تلميذ لـ"مصطفى أمين"، يعترف هو بذلك ويؤكده، فهو يحب الرجل وتتلمذ على يديه وعمل معه وكتب كل ذلك في مذكراته، لكن يبدو أن الجزء الذي خصصه في مذكراته لم يكن إلا قناعا آخر يُسقطه عن "مصطفى أمين"، وإذ كان "هيكل" تكلم فيما يخص قضية الجاسوسية، فإن موسى صبري «فَرش الملاية» كما يقولون لمؤسس أخبار اليوم، وكان لذلك أسباب كثيرة -ربما بعضها بأمر من "السادات" نفسه- والتي جلبت لـ"موسى" اتهاما أنه انقلب على أساتذته من أجل السلطة. 

وكان "موسى صبري" حاضرًا بقوله بعد ذلك «نعم أنا أطبل وأزمر»، لكن من مبدأ إذا تعارك الكبار ظهرت الحقيقة فهل لنا أن نعرف ما قاله "موسى" عن "مصطفى أمين"!

البداية كانت حين صدر أمر الإفراج عن "مصطفى أمين" من الرئيس "السادات"، سبق ذلك وساطات كثيرة، وفي الوقت الذي صدر قرار الإفراج نهض "مصطفى أمين" من مجلسه وبدأ يكتب، ومقاله جاء كالتالي: «اليوم أعبر أول خطوة من خطوات الحرية بعد أن عشت في ظلام السجن نحو تسع سنوات، ولا أستطيع وأنا أخطو أولى خطواتي إلا أن أذكر الرجل الذي فتح لي الباب، وفتح قبل ذلك أبواب الحرية أمام ألوف المعتقلين وأعاد العدالة لمئات القضاة ووفر لقمة العيش لآلاف من الذين وضعوا تحت الحراسة أو حرموا من وظائفهم بلا ذنوب..

من حق هذا الرجل أن يطلق على عصره عصر العبور، عبور الجيش المصري من الهزيمة إلى النصر، وعبور الجيش المصري من الانقسام إلى الوحدة، وعبور سمعة مصر من الهوان إلى الكرامة».

كانت تلك البداية الحماسية لـ"مصطفى أمين" الذي راودته أوهام استعادة سلطته، هو العائد من السجن بأمر رئيس الجمهورية وفي وقت يتلقى غريمه «هيكل» ضربة قوية من النظام الساداتي، إذن فالفرصة مهيئة بداية من تأييد قرارات طرد «دافيت هرست» ممثل الجارديان، شارك في طرد زميل صحفي، كما شارك في وصف أحداث 17 و18 يناير بأنها «انتفاضة حرامية».

بدأت المتاعب حين اقترح "مصطفى أمين" على «السادات» أن يعلن براءته من التجسس في مؤتمر صحفي تحضره الصحافة الأجنبية، ورحب "السادات" بالفكرة وطلب منه أن يتفاهم مع الدكتور "أحمد كمال أبو المجد" وزير الإعلام، لكن الأخير لم يكن مقتنعا وطلب من "السادات" مهلة كي يفكر في الأمر، وبعد المهلة أبلغ "السادات" بوجهة نظره أنه لا داعي لذلك، واقتنع "السادات"، وانتظر "مصطفى أمين" دون فائدة، وكانت تلك بداية الصدام.

معركة تحوّل مصطفى أمين 
يقول موسى صبري: إنه «بعد واقعة المؤتمر الصحفي صدرت مجلة أسبوعية كانت تطبع في الأهرام للشباب ولم نكن نعرف من يحررها، وشنت حملة عنيفة ضد "مصطفى أمين"، و"علي أمين"، ووجهت إليهما كل الاتهامات، واندهش التوءمان من الحملة، وكنا نتصور أن محررها هو "مكرم محمد أحمد"، معبرًا عن اتجاهات "هيكل"، وثبت أخيرًا أن "مكرم" لم يكن له علاقة بهذه المجلة، وطلب "مصطفى أمين" أن أتحدث للسادات حول تلك الحملة، وكلّمته ولم أحصل منه على جواب، وفسر ذلك إنه برضا منه..

ثم بدأ "مصطفى" و"على" ينشران أخبارا وتحقيقات عن القهر والديكتاتورية في حكم "عبد الناصر"، وتدخلت أكثر من مرة لمنع أخبار غير صحيحة أو مبالغات تفتقر إلى الدليل، ولكنهما كانا في قمة الحماسة لهذه الموضوعات والأخبار، وكان منها موضوع قتل الدكتور "أنور المفتي" بالسم بأمر "عبد الناصر"، وهذا موضوع خيالي، وكان "السادات" ضائقا بهذه الموضوعات، ونبهني لذلك أكثر من مرة لكي أبلغهما..

ثم كان أن نشر "مصطفى أمين" في أخبار اليوم فصلا من كتاب جديد لـ"جلال الحمامصي" يشكك في ذمة "عبد الناصر" بأنه استولى لشخصه على قرض قدمه الملك "سعود" لمصر، وقال "مصطفى أمين" إن "الحمامصي" يملك الدليل على ذلك.

وأمر "السادات" بإجراء تحقيق، وانتهى الأمر إلى أن الموضوع لا أساس له، وبدأت غضبات "السادات" ومنع "الحمامصي" من الكتابة، وتدخلت وعدل الرئيس عن القرار، وهكذا غير "السادات" في مجالس إدارات الصحف، بعد أن ألقى بيانا في مجلس الشعب عن الاتهام الكاذب لـ"جمال عبد الناصر" في ذمته..

وقال "السادات" إنه يستغرب أن يحدث هذا من "جلال الدين الحمامصي"، وهو الذي أنقذ رقبتي بشهادته في قضية اغتيال "أمين عثمان"..

«لاحظ أننا قلنا في السابق أن "جلال الدين الحمامصي" رفض مهاجمة الوفد بسبب مالك الجريدة التي يعمل فيها»!

وعندما أباح السادات تكوين الأحزاب بدأت اتصالات بين "مصطفى أمين" و"فؤاد سراج الدين"، وكتب الأول مرحبا بالوفد الجديد وثارت أعصاب "السادات" واتصل بي ليقول لقد عرفنا فساد الوفد و"سراج الدين" من مقالات "مصطفى أمين"، وطلب مني أن أبلغ "مصطفى أمين" أن يكتب سلسلة مقالات عن فساد حكم الوفد، ورهن ذلك باستمراره في الكتابة أو منعه عنها، واتفقت مع "مصطفى أمين" أن يكتب في فكرة عن فساد الماضي، وكتب..

ولكن لم يقنع السادات، وكان يصر على حلقات كما كان يكتب قبل الثورة، وكذبت، وقلت إنه يعد ذلك، وعلى غير توقع عدل السادات عن إنذاره..

هدأت الأمور قليلًا ثم عادت في شكل كتابات "مصطفى أمين" في جريدة الشرق الأوسط السعودية، وكانت تهاجم "السادات" وحاولت إقناع "مصطفى أمين" بعدم الكتابة، ولكنه رفض وأصر، ولهذا أصدر "السادات" قرار تعيين "إبراهيم سعدة" رئيسا لتحرير أخبار اليوم بعد أن اعتذر عن عدم التعاقد مع الشرق الأوسط وبراتب كبير.

بعد موت "السادات" كنت في حالة ألم ثم فوجئت بمقال فكرة لـ"مصطفى أمين" يهاجم "السادات"، وطلبت من "أحمد رجب" أن يبلغ أستاذنا الذي كان طريح الفراش أنني لن أنشر كلمة واحدة في أخبار اليوم تهاجم "السادات" بعد موته ما دمت حيا، واستمر "مصطفى أمين" في هجومه، وكنت أشطب الكلمات التي تهاجم "السادات" إلى أن فوجئت باستدعائي لمقابلة الرئيس "مبارك" في قصر العروبة..

حيث وجدت "مصطفى أمين" و"الحمامصي" و"أحمد أبو الفتح" وتدخل الرجل لتسوية الأمور على أساس عدم إهالة التراب على زعمائنا».
الجريدة الرسمية