رئيس التحرير
عصام كامل

الفنان القدير.. والطليق الخلوق


عندما يصبح الزواج سترا، ومودة ورحمة.. فما أجمل الحياة.. عندما يكون الانفصال والطلاق درسا، وعدم نسيان الفضل بين الزوجين.. فما أجمل الحياة.. عندما يكون الإحسان بين الزوجين أسلوبا في المعاملة.. فما أجمل الحياة.


عندما تنتهي الحياة ويذهب كل لخالقه، وتظل الذكرى الطيبة كلمات رطبة تبلل الشفاة.. فما أجمل الحياة.

فارقت حياتنا فنانة قديرة منذ عدة أيام، كانت مثالا يحتذى به في مجالها وعشقها لفنانها واحترامها لجمهورها الذي أحبها وقدرها، حياتها الخاصة كانت دوما صندوقا أسود لا يعرف ما بداخله سوى جدران بيتها الصماء، تزوجت من فنان قدير كان رفيق مشوارها الفنى والزوجى..

حتى كتب الله أمرا كان مفعولا، وانتهت حياتهما الزوجية بعد أكثر من عشرين عاما، انفصلا في هدوء، ولم يسمع هذا الخبر سوى المقربين لهما ، وكأنهما كانا يريدان أن يكونا طلاقهما سرا خاصا يبتعدون به عن القيل والقال.. فقد كانا من الذين يؤمنون أن الزواج ميثاق غليظ ، كقول الله تعالى: (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وأنه رباط مقدس ليس لأحد  أن يعرف لماذا انتهى؟؟

سترا للعيوب ودرءا للشبهات وإطلاق الشائعات التي تملأ المجال الفنى دوما..

رغم أننى لم أكن من المقربين من هذين الزوجين، إلا أن لى معهما أصدقاء مشتركون كانوا يتغنون بسيرتهما الطيبة، وبهرنى حقا موقف الزوج الذي أخذ لقب الزوج السابق على مدار أكثر من عشرين عاما، قضاها في اتباع آية يجهلها وينكرها ويتغاضى عنها الكثير من الرجال، الذين انفصلوا عن زوجاتهم.. وهى آية يقول الله تعالى فيها (ولا تنسوا الفضل بينكم) صدق الله العظيم.

لم ينس هذا الفنان المحترم والطليق يوما حلوا قضاه بين يدى زوجته.. ابتسامة عذبة قابلته بها فأنعشت يومه، كوبا من الشاى الساخن في كل صباح، ولا دعوة صادقة قالتها له في يوم من الأيام، لم ينس ألمها وهى تحاول أن تكتمه، وهى تلد أولى بناتهما، وسهرها لراحته في أحد أيام مرضه وهى تعطيه الدواء وتشجعه على الشفاء سريعا.. أشياء صغيرة لكنها كانت عنده كبيرة..

في حين أن أكثر الرجال الذين طلقوا زوجاتهم يتفنون في الإيذاء والتنكيل، ونسيان ما قد كان، وتذكر كل ما هو سيئ كنوع من شحن النفس الأمارة بالسوء..

نرى أروقة المحاكم تكتظ بزوجات ضعيفات ذنبهن الوحيد أنهن لم يستطعن الاستمرار أكثر في حياة زوجية مستحيلة، وجاء هذا الفنان القدير والزوج السابق ليضرب مثالا يحتذى به في الأخلاق، ويكون وفيا لفنانة وامرأة كانت في يوم من الأيام زوجته، وعندما أصابها مرض عضال لم يتخل عنها وأتى بها في مسكنه، وأقامت مع ابنتهما ليرعياها ويسهرا على راحتها، ويظل يتحمل نفقات علاجها بلا ضرر ولا كلل..

وعندما احتاجت أن تدخل مستشفى خاصا لعلاج الحالات المستعصية.. بدأت الإشاعات تنطلق من كل حدب وصوب، ولكنه أبى أن يذكر طبيعة حالتها، واعتبر أن المرض عورة وليس من حق أحد أن يعرف ماذا أصابها؟! حتى لا تتغير صورتها الجميلة في عيون جمهورها.

تحمل قسوة الهجوم الذي تعرض له حتى خرجت إحدى ابنتيه، وقصت القصة كاملة لتبرئ الأب المحترم والطليق الخلوق، وعندما فاضت روح تلك الفنانة القديرة بعد صراع دام سنوات مع المرض لم تجد إلا هذا الزوج السابق ليقف على قبرها ويودعها بقلب تملؤه الدموع وشفاه تدعو لها بالرحمة والمغفرة..

في يوم العزاء كان أول الحاضرين يستقبل المعزين، ولسان حاله سيل من الدموع والآهات على ذكرى رفيقة الدرب والبيت.. زميلة العمل وأم البنات.. كم من رجل يستطيع أن يكون مثل هذا الزوج السابق والطليق الخلوق؟! لا أعتقد أن هناك الكثير منه..
الجريدة الرسمية