رئيس التحرير
عصام كامل

مذكرات موسى صبري (1)


صورة غير وردية للبدايات.. بالنسبة لي الكتب أنواع، كتاب يُجبرك على قراءته، وآخر يُنفرك من الصفحة الأولى، ونوع ثالث يراوغك، يزورك ليلًا ليحثك على قراءته ثم يختفي من الذاكرة لأيام طويلة حتى تتذكره بالصدفة، أشعر كأنه يخرج لسانه ويذهب مرة أخرى، الحل الوحيد مع هذا النوع الإمساك به في لحظة واحدة وقراءة كل ما تستطيع قراءته.

مذكرات موسى صبري، والتي حملت عنوان "50 عام في بلاط صاحبة الجلالة"، واحد من الكتب التي راوغتني، زارتني ليلًا واختفت نهارًا، سمعت عنها من الأصدقاء مشيدين بالكتاب، رأيته مرة واحدة في مكتبة الشروق ولم أكن أملك ثمنه في ذلك الوقت، وحين عدت كان غادر كأنه رفضت الإهانة بتركي له ولم يعرف ظروفي، لكن في النهاية أمسكت به بنسخة إلكترونية وبدأت قراءته.

لم أكن أريد سماع تاريخ صحفي قد سمعته من قبل، فالرجل صحفي كبير ونافذ، وعليه الكثير من علامات الاستفهام، بصراحة اشتريت الكتاب لأتابع معركته مع «هيكل»، ثمة جملة تتكرر في الوسط الصحفي عن "موسى صبري"، لو لم يشغل نفسه بـ"هيكل" لكان أعظم منه، ولأن عمره الطويل في بلاط صاحبة الجلالة مكنه من مشاهدة الكثير، فكان حظي أن استمتع بالكثير من تلك القصص بل وأكشف الستار عن الكثيرين!

لن نخوض في تفاصيل المجلد الذي تعدت صفحاته الـ900 صفحة، لكن في أول 50 صفحة يمكن أن تعرف أنه قرر أن يكتب عن حياته الشخصية - على الأقل - بحرية، فهو يتحدث عن جذوره الصعيدية، المنيا، عمل والده، كما يتحدث عن أول مرة يشعر فيها بلذة جنسية حين خلعت أحد جيرانه ملابسها أمامه، وكانت تظنه طفلًا لكنه لم يكن كذلك أبدًا.

الحياة التي عاشها "موسى صبري" لم تكن غريبة عن أقرانه، لكن الغريب كان انخراطه في السياسة مبكرًا، وهو ما انتهى به مسجونًا في معتقل "الزيتون" ليكون بجوار "أنور السادات" و"جلال الدين الحمامصي"، الشيء الجيد في تلك الصحبة أنه تعرف على رئيس مصر المستقبلي، أما داخل السجن فحكايات قصيرة بداية من صوت "أسمهان" الذي أطرب له "السادات" ونهاية بقصة الهروب التي كان بطلها "جلال الدين الحمامصي".

يتحدث "موسى صبري" عن فترة الملك بمنطق المناضل السياسي الذي يكره الملكية ويتطلع إلى الثورة، الغريب أنه بعد ذلك سيكون في صف السلطة ضد المعارضين، للأمانة لم يكن هذا موقف "موسى صبري" فقط، فنظرة على أسماء المعارضين في ستينيات القرن الماضي وما آلوا إليه في الوقت الحالي يمكن أن تحدثك بالفرق، المهم أن الصورة الأبرز في تلك الفترة سهولة فتح جرائد وإغلاقها..

لذلك لم يكن من العجيب أن يعمل "موسى صبري" في أكثر من جريدة في وقت سريع، واحدة تغلق، وأخرى تُفتح، الهيكل الإداري للصحف باستثناء الراسخة مثل الأهرام والهلال والفتح لم يكن كبيرا، كل جريدة لها نصيبها من السعادة حين تأتي وزارة موالية لها، وفي الغالب تغلق بعد رحيل تلك الوزارة.

لم تكن الصورة وردية، ربما العاهة قديمة، أتحدث عن مُلاك الجرائد، الذين يتحكمون في كل شيء، يوجهون الأقلام أينما شاءوا، المعركة بدأت حين أراد "موسى صبري" أن يهاجم الوفد كعادته، كان الوفد قد تولى الحكم لكن «إدجار» باشا مالك الجريدة رفض مهاجمة السلطة المقبلة فله مصالحه معها، وهنا بداية المعركة بين صاحب الجريدة والصحفي، انتهى الأمر باعتراض الأخير واستقالته.. أما "جلال الدين الحمامصي" فقد وافق الأخير، ويكفي أن تتابع سطور الكتابة لتعرف أين هو من خريطة شيوخ المهنة! وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية