رئيس التحرير
عصام كامل

اعتذار «حزب الله» جنب لبنان الحرب


أعلن رئيس وزراء لبنان "سعد الحريري" عن تشكيلة حكومته، بعد تعثر ومخاض عسير دام تسعة أشهر، نتيجة عراقيل من الكتل والأحزاب لا سيما "حزب الله".. تألفت الحكومة من 30 وزيرا يمثلون مختلف الأحزاب السياسية. وتوزعت حصص الحقائب الوزارية على رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" 11 وزيرا، "تيار المستقبل" 6 وزراء، حزب "القوات اللبنانية" 4 وزراء، "حركة أمل" 3 وزراء، "حزب الله" 3 وزراء، "الحزب التقدمي الاشتراكي" وزيرين، "تيار المردة" وزير.


كانت مفاجأة وزارة "الحريري" أنها ضمت 4 وزيرات، بينهن أول امرأة تتولى حقيبة الداخلية ليس في لبنان فقط بل في العالم العربي كله.. لكن وسط احتفاء الشعب بالحكومة واستبشاره بدوران عجلة العمل، لإنقاذ الاقتصاد اللبناني المنهار، كاد أحد نواب البرلمان المنتمين إلى "حزب الله" أن يتسبب في حرب أهلية جديدة!!.

نعرف جميعا أن سقف الحرية في لبنان عال جدا، والسجال والتشابك السياسي والاتهامات بالعمالة للخارج بين النواب والأحزاب والطوائف باتت معتادة ولا حدود لها. لكن السجال السياسي العنيف في جلسة البرلمان لمناقشة البيان الوزاري بين كتلتي "حزب الله" الشيعية وكتلة الأحزاب المسيحية، وما أسفر عنها من غليان الشارع كاد يجر لبنان إلى حرب أهلية جديدة لولا تدخل الحكماء لنزع فتيل الفتنة.

بدأ السجال حين أشار نائب حزب "الكتائب اللبنانية" سامي الجميل إلى أن "حزب الله" هو من "هندس الحكومة وشكلها" بعد أن عرقلها كثيرا.. لم يعجب الكلام النائب عن "حزب الله" نواف الموسوي، فرد بعنف على كلام الجميل، موجها إهانة للرئيس الحالي ميشال عون والرئيس الراحل بشير الجميل، عم النائب سامي الجميل، قال الموسوي: "لولا بندقية حزب الله ما وصل الرئيس عون إلى قصر بعبدا.. وخير لرئيس لبنان أن يأتي ببندقية المقاومة من أن يأتي للحكم على دبابة إسرائيلية"!!، قاصدا بكلامه الرئيس اللبناني الراحل "بشير الجميل"، الذي تعاون مع الإسرائيليين خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

أصداء إساءة "الموسوي" تجاوزت البرلمان وانتقلت إلى مدن عدة شهدت احتجاجات ومظاهرات، رفضا لتطاول أحد نواب "حزب الله" على الرئيسين عون والجميل، واشتعلت بالتزامن منصات "السوشيال ميديا" بآلاف التغريدات بين الفريقين.

زاد غليان الشارع والبرلمان عندما ألقى أحد الأشخاص قنبلة حارقة على أحد مقرات حزب الكتائب في ضاحية سن الفيل، ما دفع نواب أحزاب "الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الحر" إلى عقد اجتماع في قاعة جانبية بالبرلمان للتداول تمهيدا لمقاطعة الجلسات، ما يهدد بمنح الحكومة الثقة، وتعود لبنان إلى نقطة الصفر مرة أخرى.

عرف الرئيس "ميشال عون" أن الكتل المسيحية الثلاث قررت مقاطعة جلسة منح الحكومة الثقة، اعتراضا على التطاول، فكان أن أجرى اتصالا بمسئول "حزب الله" أبلغه غضبه واستياءه مما حدث وطالبه باحتواء الأزمة، لأن البلد في وضع حساس لا يحتمل الانزلاق في مشكلة قد تقوده إلى حرب أهلية.

وفي الوقت نفسه أجرت النائبة "ستريدا جعجع"، زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية "سمير جعجع"، اتصالا بزميلها النائب "نواف الموسوي"، شجعته على اتخاذ موقف واضح ينزع به فتيل الأزمة التي تسبب فيها، حتى يجنب البلد الوقوع في أمر لا يحمد عقباه، فاعترف لها "الموسوي" أنه تسرع في رده على النائب "سامي الجميل" وسيتشاور مع أعضاء الكتلة لاتخاذ ما يلزم.

وبعد مشاورات شملت رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب "محمد رعد" والنواب "إبراهيم كنعان" و"آلان عون" عن "التيار الوطني الحر"، و"جورج عدوان" عن "القوات اللبنانية"، وافق نواب "حزب الله" على تقديم اعتذار رسمي في جلسة البرلمان المسائية، وفق صيغة عرضت مسبقا على ممثلي الكتل النيابية المهددة بمقاطعة جلسة منح الثقة للحكومة.

وبناء عليه أعطيت الكلمة للنائب "محمد رعد" في مستهل الجلسة ليقول: حصل للأسف سجال غير مرغوب فيه بين بعض الزملاء، وانطوى هذا السجال على كلام مرفوض لا يمثل رأي "حزب الله"، صدر عن انفعال شخصي من أحد إخواننا في الكتلة تجاوز الحدود المرسومة بلغتنا المعهودة، في الخطاب والتعبير عن الموقف.

لعل أفضل تعليق على اعتذار رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب "محمد رعد" عما صدر عن زميله النائب "نواف الموسوي"، كان تغريدة عضو تكتل الجمهورية القوية "سيزار المعلوف": "نختصر أجواء جلسة الثقة، بقول للإمام على عليه السلام: من لانت كلمته وجبت محبته"... ويبقى أن ما شهده برلمان لبنان يعلمنا أن الاختلاف السياسي لا يعني المساس برموز وقناعات الآخرين.
الجريدة الرسمية