رئيس التحرير
عصام كامل

هل وجب الاعتذار؟


محاسبة النفس ضرورة، والاعتذار فضيلة، والتمادي في الخطأ جريمة، اليوم تمر ثماني سنوات على (جمعة الغضب) البداية الحقيقية لما رأيناه أحداثًا ورآه غيرنا ثورة، تلاحقت الأحداث فأفقدتنا التقاط الأنفاس، واكتفينا في أحيان كثيرة بالنقل دون المراجعة، وبالعرض دون التحليل.


ودفعنا خوفنا على الوطن للهجوم على كل من يشار إليه بالعمالة مع الخارج أو من هتف ضد الجيش والشرطة، أو من حاول النيل من مؤسسات الدولة. ومحاسبة النفس هنا لا تعني التراجع عن مواقفنا إزاء ما كنا عليه شهودًا، لكن ثمة قضايا حسمناها إعلاميًا وما زلنا نتداولها على أنها مسلمات، رغم أنها ما زالت معلقة ولم تفصل الدولة فيها حتى الآن، فماذا لو حسمتها الدولة لصالح الطرف الذي تعاملنا معه طوال السنوات الماضية على أنه متهم؟ هنا لابد أن نتوقف لنحاسب أنفسنا، ونبادر بالاعتذار لمن أسأنا إليهم.

من القضايا التي ما زالت عالقة وتنتظر حسمًا من الدولة ما اصطلح على تسميته إعلاميًا بالقضية (٢٥٠) التي تضم العديد من الشخصيات المتهمة بالعمالة مع الخارج وتلقي تمويلات من دول أجنبية، وأغلب وسائل الإعلام التي لم تتعاطَ مع أحداث يناير على أنها ثورة ظلت تتحدث عن هذا الملف طوال السنوات الماضية، بل إن أسماء بارزة من الإعلاميين تم ذكرها عشرات المرات كمتهمين بالعمالة، فلا هذه الأسماء نفت، ولا الدولة دفعت بأدلة واكتفت بدور المتفرج. 

وبعض من الذين وردت أسماؤهم في قوائم تداولها الإعلام ونشرها رواد مواقع التواصل الاجتماعي تولوا مناصب، والبعض الآخر يواصل عمله بأريحية، ونراهم مدعوين في المؤتمرات والمناسبات المهمة، فهل ظلمنا هؤلاء واتهمناهم بالعمالة؛ لذلك وجب الاعتذار لهم؟ وألا يستطيع هؤلاء اللجوء إلى القضاء لمحاكمتنا بسبب الضرر النفسي الذي وقع عليهم؟

ومن القضايا التي دأبنا على تناولها طوال السنوات الماضية تلك المتعلقة بحركة (٦ أبريل) التي بادرت بالدعوة لأحداث يناير، دفعنا خوفنا على الوطن بسبب ما رأيناه في تونس إلى وضع الحركة في قفص الاتهام، ورددنا جميعًا أن جهات خارجية تمولها لضرب استقرار مصر، واستندنا في اتهامنا لهم على صور جمعتهم بعناصر خارجية دعت لشرق أوسط جديد بعد الإطاحة بأنظمته، وتواجدها في الشوارع والميادين بعد تنحي الرئيس الأسبق مبارك، وتطاولهم على الجيش والشرطة، وانتظرنا من الدولة أن تنصفنا كإعلام وتحاكم عناصر الحركة لكننا فوجئنا ببعضهم في مناصب مهمة، وبآخرين تحولوا إلى كتاب ومذيعين، ولم توفر الدولة دليلًا حتى الآن على تلقيهم تمويلات خارجية.

على المستوى الشخصي، لن يتغير موقفي من هذه الحركة لأنني تعايشت مع بعض عناصرها التي أعلنت توبتها عن التواصل مع الخارج، لكن اتهامنا لها بتلقي تمويلات استنادًا إلى بعض المنشورات لم يكن دليلًا كافيًا، ولو كان كافيًا لحاكمتهم الدولة وألقت بهم في السجون، فهل لدى جهات معينة ما يثبت تورط الحركة في تمويل مشبوه؟ أم أننا ظلمناها فوجب علينا الاعتذار لعناصرها؟

أما المنظمات الحقوقية فكان لها نصيب الأسد من الاتهامات طوال السنوات الثماني الماضية، وكان التمويل الخارجي في مقدمة هذه الاتهامات، ومن وضعهم الإعلام في القفص ما زالوا يمارسون أنشطتهم، بل إنهم يحيلونا إلى النائب العام لتقديم بلاغات ضدهم، فهل الدولة لديها ما يدين أصحاب هذه المنظمات، أم نعتذر لهم عن كل ما اتهمناهم به؟

تلك وقفة مع النفس تفرضها ذكرى (جمعة الغضب) التي نراها البداية الحقيقية لأحداث يناير، وقفة ربما تحرك راكدًا، لكنها أبدًا لا تقبل المزايدة.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية