رئيس التحرير
عصام كامل

أم الأبطال


تحيا في ذاكرتى، رغم مرور السنوات الطوال التي تجاوزت الخمسة وثلاثين عاما، منذ أن كنت في السنة الابتدائية الأولى، فكانت، نعم الأم، والقدوة، والنموذج الناجح في الإدارة المدرسية، في الحزم، والعلم، في احتواء الطلاب كافة دون تفرقة، والاهتمام بهم والقيام على شئونهم ورعايتهم على أكمل وجه.


المربية الفاضلة الأستاذة «حورية» رحمها الله، أعطت النموذج الناجح والقدوة المثلى، لمدير المدرسة، كما يجب أن يكون، قامة كبرى أمام أجيال عدة، عز الآن أن نجد من يقدم لهم فيض خبرة، أو مشورة، ومثالًا رائعا في إرفاق التربية بالعلم قدما بقدم، على طريق بناء العقول في سبيل تحقيق التربية الرشيدة.

تمتد قرابتى بها من جهة الأم، إلا أنها لم تكن تخلط قواعد تلك القرابة أبدا، في حسابات العلم والتربية، فكانت تنحى هذا جانبا، تاركة إياه للمنزل، في سبيل أداء أمانة العلم بشكلها الأمثل، وعلى قناعة تامة بأنه لا مجاملة في التربية، وأن التدليل يؤدى للفشل، وإلى عواقب وخيمة مستقبلًا على جيل بأكمله، فنبت من بين أيديها، بحزمها الشديد ـــ بغير إهانة أو إيذاء ـــ وعلمها الوافر، براعما خضراء تفتحت في مساحات شاسعة من حدائق الاحترام، والالتزام الأخلاقى والعلمى، فربت جيلًا بعد جيل، تخرج منهم المهندسون والأطباء والضباط والإعلاميون والمدرسون، وغيرهم مئات ومئات، يتذكرون يوميات راهبة العلم في مدرسة «أم الأبطال» الابتدائية المشتركة، تلك الأيام الرحبة المشبعة بالحب، رثوها به عبر صفحاتهم، وقد أصبحوا رجالا أشداء، كل في مركزه ومنصبه.

ماكان لنا أن ننسى أبدا، أفضال السابقين علينا، من علمونا حروفا وسطورا من نور، من زرعوا بنا الحب، للأهل والعلم والوطن، من غرسوا فينا قيمًا نبيلة، لا تزال تتجسد وتنمو بداخلنا يوما بعد يوم، تروى لأبنائنا ما مضى من أيام الخير والعطاء، وما كان لنا أن ننسى أبدًا، من أعطى معروفا، وسقى أمومة وحبا وعلما، فتشكل هذا في الوجدان، وأعطى الدافع للتفوق والتفرد والنجاح، في وقت استشرى به القبح، وتدهورت الأخلاق، واندثرت القيم، وكدنا نفقد يوما بعد يوم، بوصلة حكيمة قد لا يجود بها الزمان مرة أخرى.

لا أجد من الكلمات ما أرثي به مُعلمتى الراحلة، وما أعبر به عن عميق العرفان بالجميل، إلا بسيط الكلمات، التي أحاول أن أسدد بها بعضا من الاعتراف بالفضل والجميل إلى تلك الروح الطاهرة، فسلاما في عليين.. سلاما يا أم الأبطال.

الجريدة الرسمية