رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة ا.د نبيل المهيري


ا.د نبيل المهيري أستاذ الجراحة بطب عين شمس، وصاحب الخبرات الإدارية المعروفة كمدير لمستشفى عين شمس التخصصي في عصرها الذهبي، ثم رئيسا للهيئة العامة للتأمين الصحي، وصاحب مدرسة معروفة في الإدارة الطبية، فقد كان أول من طبق نظام التفرغ في مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي مقابل أجر عادل للطبيب.


أرسل لي رسالة تحمل انطباعاته عن اجتماع الجمعية العمومية لنقابة الأطباء الفرعية بالقاهرة، وهذا نص رسالته:
"حضرت يوم الجمعة 28 ديسمبر الجمعية العمومية غير العادية لنقابة أطباء القاهرة، بحضور الأستاذ الدكتور حسين خيرى نقيب أطباء مصر، ورئاسة الأستاذ الكتور إبراهيم عبد الغنى نقيب أطباء القاهرة، لمناقشة القانون 19 لعام 2018 لتنظيم المستشفيات الجامعية، وقد صدمت وأصابنى بالإحباط عندما رأيت كيف يتناقش الأطباء، وكيف تدار اجتماعات النخبة وبها عدد كبير من أساتذة الطب.

لقد نصحني كثير من الزملاء في اليوم السابق بعدم الذهاب لأنه لن يكون هناك نقاش بل قد يحدث اعتداء لفظي، وقد يتطور إلى يدوي لأنني مؤيد للقانون، ولكنني صممت على الذهاب ثقة في نقيب الأطباء، ونقيب أطباء القاهرة، ولرغبتي في شرح وجهات النظر المختلفة في القانون قبل الحكم عليه.

وبالتالي شعرت بالسعادة عندما تكلم ا.د. إبراهيم عبد الغني، وطلب أن يسمع رأي المعارضين والمؤيدين، وأقر بأن هناك تدهورا في العمل بالمستشفيات الجامعية، وأنه معارض للقانون، ثم تلاه النقيب معلنا رفضه للقانون، ولكنه طلب احترام قواعد وآداب الحوار.

وعندما تقدمت برغبتي في الإدلاء برأيي وكنت ثالث من تقدم بذلك فوجئت بنقلي قبل الأخير، وفي الحقيقة لم يسمحوا لى بإبداء رأيي إلا عندما تدخل ا.د. إبراهيم عبد الغني نقيب أطباء القاهرة في نهاية الجلسة تقريبا، يا حضرات السادة كيف تعلمون الطلبة النقاش واختلاف الرأي؟ رحم الله أستاذي سعيد دراز عندما كان الطالب في إجابته يخرج عن المعقول، ويظل يناقشه بهدوء حتى يصل به إلى جادة الصواب، هكذا كان التعليم.

طبعا عندما بدأت أدلي برأيي بدأ بعض الأساتذة الهجوم والمقاطعة، ولا يسمحون إلا سماع وترديد رأيهم فقط، ثم تقدم بعض السادة الأساتذة بكلام حماسي ليس به ذرة من العلم، مثل أن الطبيب المصري لا يضاهيه طبيب آخر بالعالم، وأن مستوى الخدمات الصحية في مصر مرتفعة جدا، كلام محض خيال، أنا لا أستطيع أن أنكر أن الطبيب المصري عندما تعطي له فرصة للتدريب في الخارج أو العمل بالخارج فإنها ينبغ.

معنى ذلك بمنتهى البساطة أن نظام التعليم في مصر ليس جيدا، وقد رأيت كثيرا من طلبتي عندما يعملون بالسعودية يرتفع مستواهم بوضوح، في الحقيقة أن الغرض من هذا القانون هو إصلاح التعليم الطبي، وإلا كيف نفسر سفر كثير من المصريين للعلاج في الخارج بما فيهم السادة أعضاء هيئة التدريس، ولماذا تعقد السعودية امتحانا للأطباء المصريين وفيهم من يرسب.

في الحقيقة أن الغرض من هذا القانون لم يكن تحسين التعليم الطبي، ولكن إصلاح منظومة الخدمة الطبية المتردية في المستشفيات الجامعية، ولكن هذا الإصلاح سيؤدى بالتبعية إلى إصلاح التعليم، الأكثر شطحا في الخيال كان من قال أن عدد أعضاء هيئة التدريس في كليات الطب أقل من احتياج الكليات.

أن المشكلة الأساسية في هذا القانون ومصدر المعارضة له، أنه يوضح أن المستشفيات الجامعية لتعمل بكفاءة لا تحتاج إلى أكثر من 10% من هذه الأعداد من هيئة التدريس، الأكثر إيلاما أن القانون يسمح لمن يريد أن يقتصر عمله على الكلية فقط أن يحصل على كل مستحقاته ومتعلقاته، ومن يرغب في العمل بالمستشفيات يحصل على مرتب آخر من المستشفى، المشكلة أن أعضاء هيئة التدريس يريدون الحصول على كل المنافع، أي يعمل داخل المستشفيات وفي نفس الوقت خارجها وهذا غير ممكن.

يؤسفني في هذا الاجتماع أن السادة أعضاء هيئة التدريس يزعمون أن هذا القانون سيقضي على التعليم الطبى، والحقيقة عكس ذلك تماما. وحيث أنهم منعوني من إيضاح ذلك، فأحب أن أوضح أن طرق التدريس التي تعلمنا به ومازلنا نستخدمها حتى الآن تغيرت تماما، وذلك يشرح لماذا يحكي الجميع بما فيهم المعارضين للقانون عن أن هناك تدهورا في مستوى الخريجين.

القانون سيحسن مستوى التدريس تلقائيا، لأن الطالب سيرى الأستاذ يدير العيادة أو الحوادث بنفسه، وبالتالي يتعلم منه.

أنا لم أستطع أن أفهم إطلاقا كيف سيقضى هذا القانون على العلاج المجاني، رغم أن معظم المرضى حاليا يدفعون ثمنا للعلاج، أنا شخصيا عندما أدخلت مريضا من غير القادرين لعمل عملية فتق في المستشفى الجامعي الذي أعمل به دفعت من جيبي 1650 جنيها، الأكثر من ذلك أن كثير من أعضاء هيئة التدريس يعملون في المستشفيات الخاصة ويتقاضون أتعابا، ولم يأت إلى علمي أنهم يشكون أو يتألمون من ذلك أبدا.

يشكو أعضاء هيئة التدريس أن القانون سيحول المستشفيات الجامعية إلى نظام الخصخصة، رغم أن القانون المعروض علينا لم يذكر الخصخصة في أي صورة إطلاقا. في الحقيقة لا يهم من يقدم الخدمة الطبية المهم أن يقدم أحسن خدمة للمواطن تبعا للمواصفات. قانون التأمين الصحي الجديد ينص على ذلك.

لم أفهم أيضا أبدا كيف أن هذا القانون سيقضي على البحث العلمي أو التعلبم الطبي، بزعم أنه لن يكون هناك مرضى مجانيين، أنا أربأ هنا بالسادة زملائي أعضاء هيئة التدريس أن يعتقدوا أن المرضى المجانيين فئران تجارب. في الحقيقة أنه في أوروبا جميع المرضى يدفعون ثمن العلاج بطريقة أو أخرى، ومع ذلك الأبحاث العلمية والتعليم على أعلى مستوى وبغزارة وعمق أكثر من مصر.

وسيصدر في مصر قانون الأبحاث العلمية ولابد أن نتبعه، كما سيطبق قانون التأمين الصحى الجديد قريبا وسيكون جميع المرض من دافعي ثمن الخدمة الطبية، ما الحل هل نلغي كليات الطب؟ الحل أن نتبع الطرق الحديثة في تدريس الطب وليس التمسك بالماضي والدفاع عنه باستماته، بدأت كليات الطب في اتباع الطرق الجديدة على مجموعات صغيرة.

نقطة أخرى لم أستطع أن أستوعبها، وزارة التعليم العالي وهي المسئولة عن التعليم اكتشفت مشكلة في نظامها وأرادت أن تصلحها، ما هو دخل نقابة الأطباء. أنا هنا لا أحجر على النقابة أو على أعضاء هيئة التدريس أو نواديهم أو الكليات أو أعضاء هيئة التدريس، بل أنا أشجعهم بقوة على الإدلاء برأيهم، ولكن احترام الآراء الأخرى والمعارضين، مع العلم أنه ليس لأي منهم حق الفيتو على القانون أو منع الآراء الأخرى، استغربت أن أحد الأساتذة يدعي أنه يفهم في القانون أكثر من مجلس الدولة والمشرعين، أين التخصص؟

نحن أعضاء هيئات التدريس من الأطباء، أي من كليات القمة كما يحلو لهم أن يسموها، وأكثر من ذلك أصبحنا أعضاء هيئة التدريس وسافرنا إلى أوروبا وأمريكا والعالم، ألم نتعلم قواعد الديمقراطية؟

إن نقيب الأطباء نفسه وهو الرجل الخلوق واثنين من المتحدين ا.د. خالد سمير وا.د. عصام عمارة، علق أن العدد لا يمثل الأطباء.

كان هناك 200 طبيب، وأنا أرفع عددهم جدلا إلى ألف طبيب والموجودين بالقاهرة 50.000 طبيب، فهل هذا تمثيل عادل لنطلب من رئيس الجمهورية إلغاء القانون، أن أعضاء هيئة التدريس في طب عين شمس فقط أكثر من 5000 عضو هيئة تدريس، أن وزارة التعليم العالي قامت بالإجراءات المنضبطة بأخذ رأي مجالس الجامعات والكليات والأقسام، تبعا للقانون الذي نطالب باحترامه.

أنا شخصيا أوافق على القانون لأنه خطوة في إصلاح المنظومة، ولكن الإصلاح الجذري هو نقل المستشفيات الجامعية خارج نطاق وزارة التعلم العالي تماما، وتصبح المستشفيات جزءا من هيئة الرعاية الصحية، تبعا لقانون التأمين الصحي الجديد، هذا هو النظام المتبع في العالم، التعليم تبع التعليم والصحة تبع الصحة ولا خلط للأوراق.

من ضمن خلط الأوراق الذي حدث كثيرا في هذا الاجتماع، أن المتحدث يطالب بإصلاح المرور قبل إصلاح كليات الطب أو إصلاح وزارة الصحة قبل إصلاح المستشفيات الجامعية، هذه شعارات لا فائدة منها، هذا ليس حلا للمشكلات التي ترزح تحتها مصر، هذا تعجيز وفي أبسط الأمور تمييع للمشكلات وخلط للأوراق".
الجريدة الرسمية