رئيس التحرير
عصام كامل

شكلها بقت «ميغة»


إذا حاولت الحصول على معنى كلمة "ميغة" في القواميس فلن تفلح.. لكنها كلمة عامية يُقصد بها انتشار العشوائية أو الفوضى.. وربما تجد في هذه القصة تفسيرا للمعنى.


كان الطريق قد امتلأ كالعادة بالسيارات، وازدحمت الأرصفة بالمارة.. وفجأة استمع الجميع إلى صوت فرملة مرتفع صادر عن سيارة صديقي الذي يخوض تجربته الأولى في القيادة.. أوقف السيارة في اللحظات الأخيرة بعد أن اصطدم بأحد الأشخاص.. سقط الضحية على الأرض وسرعان ما اختفى من كثرة الملتفين حوله.. عشرات العيون ترغب في إشباع فضولها أكثر من تقديم المساعدة.

خرج صديقي مذعورًا من السيارة ليطمئن على المجني عليه الذي استطاع النهوض ليكتشف أنه بخير وأن الحادث بسيطًا لم ينتج عنه سوى بعض الكدمات.. كان الضحية سائحا في طريقه إلى المتحف المصري بالتحرير عندما قرر صديقي أن يساهم بجهوده في تدمير السياحة.. شاهد أمين شرطة الحادث فقرر أن يصطحب صديقي إلى القسم لإنهاء الإجراءات والتأكد من سلامة السائح.

في القسم سأل الضابط صديقي عن الرخصة فأخرجها، ثم استفسر عن السيارة ليفهم إنها سيارة مستأجرة بغرض التدريب على القيادة.. أي إن صديقي كان يحمل رخصة القيادة بالفعل ولكنه لا يزال يتعلم في المارة المساكين.. سكت الضابط متأملًا رخصة القيادة التي تم إصدارها لشخص لا يجيد القيادة أصلًا قبل أن يصرخ قائلًا (دي شكلها بقت "ميغة").

مرت على هذه الواقعة أكثر من عشرة أعوام ولكن لا يزال صديقي يتذكرها كلما مر من ميدان التحرير حيث وقعت الحادثة أو كلما استطاع أن ينتهي من إجراءات أو أوراق بشكل أقصر وأسهل من المعتاد وبواسطة الاعتماد على نظرية "الميغة".

مرت سنوات على الليلة التي قال فيها الضابط كلمته الشهيرة ولكن يبدو أن "الميغة" لا تزال سارية المفعول في بعض المواقف.. ففي نهاية الشهر الماضي.. صعد مصور دنماركي وصديقته هرم خوفو في مخالفة للقانون وبعد حصولهم على مساعدة من "جمّال" خبير في الطرق المحيطة بالأهرامات.. بضعة دولارات كانت كافية ليتمكن المصور من الصعود مع صديقته فوق سطح الهرم في غفلة من أجهزة الشرطة التي لم تتمكن من القبض على المصور الدنماركي لكنها تمكنت من القبض على أحمد زكي في فيلم (حب فوق هضبة الهرم)!

إذا سمحنا باستمرار هذه "الميغة" التي تسمح أحيانًا بإصدار الرخصة دون إتقان حقيقي للقيادة فسوف تستمر شلالات الدم في حوادث السير، وإذا لم نتخلص منها كأسلوب حياة لدى البعض فعندها لن نضمن ألا يصعد إرهابي فوق الهرم بمتفجراته في المرة القادمة.. وبدلًا من مشاهدة فيديو ساخن قد نستمع إلى تفجيرات أكثر سخونة.
الجريدة الرسمية