رئيس التحرير
عصام كامل

الحوكمة بين القطاع الخاص والحكومي في مصر


الحوكمة الرشيدة أحد محركات التنمية الاقتصادية، وفي إحصائيات البنك الدولي يفتقد أكثر من نصف سكان العالم الثقة في المؤسسات الحكومية الناتج عن زيادة أعداد السكان، إلى جانب موجات الهجرة الداخلية أو الخارجية مع محدودية الموارد ونمو طموحات ووعي المواطن نحو خدمات أعلي كفاءة، فاندمجت هذه العوامل في إطار وجود حيز مدني متطور ودور نشط لوسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل مرصد للرأي العام، فتواجه الحكومات تحديات تتطلب وجود حوكمة رشيدة كرد فعل حتمي، في حين استمر سقف توقعات المواطن من الحكومة في الارتفاع، مما سبب فجوة في الثقة تتسع يوما بعد يوم.


إن تحركات الحكومة المصرية تدرك أن تحقيق الاستقرار من خلال تنمية مستدامة يعتمد على مرونتها نحو بناء مؤسسات تتمتع بالشفافية وبالقدرة والكفاءة والانفتاح والمساءلة واستيعاب التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي كتغير حتمي لاستيعاب إحداثيات العصر.

عند الحديث عن فاعلية الحوكمة كإستراتيجية نحو التنمية المستدامة لا تتم عنوة إنما من خلال تدارك ما كتبه باحثو بنك التنمية الآسيوي في إصدارات صندوق النقد الدولي :-

أولا: أثبت الإحصائيات أنه يوجد علاقة سببية مزدوجة بين تحسين جودة الحوكمة وارتفاع أداء التنمية فتعزز كل منهما الأخرى لذا فيلزم تطويرهما في ذات التوقيت.

ثانيا : ترتبط آليات تطبيق الحوكمة ببيئة الدولة المستهدفة فإن على دول العالم الثالث أن تسعى لزيادة فعالية حكوماتها وتطوير الجودة التنظيمية وسيادة القانون والقضاء على الفساد ويقتضي الانتقال إلى مرحلة الدخل الأعلى في التنمية تحسين جودة الحوكمة فيما يتعلق بمشاركة المواطنين ومساءلة الحكومة. وتعد الدول الفقيرة أكثرا تأثرا بتحقيق مكاسب كبيرة من تمكين المواطن نحو المشاركة لتحقيق الاستقرار السياسي من خلال منظومة العدالة والصحة والتعليم والنظم المالية المتطورة.

ثالثا: تختلف مكاسب الحوكمة باختلاف مؤشرات التنمية، فالفساد يعوق وصول الخدمة إلى مستحقيها أما ضعف القواعد التنظيمية يؤدي إلى تراجع نسب نمو الأعمال والاستثمار في البنية التحتية بدرجة أكبر في دول عن دول أخرى، طبقا لمتغيرات متعددة أما الثقافة الاجتماعية فهي تتحكم في تحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على المحسوبية والواسطة وممارسات النظافة العامة.

إن الحوكمة الرشيدة في حد ذاتها في القطاع الحكومي يجب أن تكون هدفا إنمائيًا فهي وسيلة دافعة للتنمية الاقتصادية، ويجب أن يراعي صناع السياسات الشروع في الخطوات الأكثر تأثيرا وليس الأسهل تنفيذا.

وعن الحوكمة في القطاع الخاص المصري فيتميز بضخامة الاقتصاد غير الرسمي ٧٠٪؜ الذي ينقسم إلى كتلتين وهما أنشطة مشروعة واخري غير مشروعة وهناك خلفية فريدة ألا وهي ظاهرة الشركات العائلية، وبالتالي فإن أهم مخاطر التي تواجهها هي معضلة الأب المؤسس للكيان، وكيفية خلافته ويلاحظ أنه من النادر أن تتبع هذا النمط من الشركات المحلية عقيدة الحوكمة وتزيد نسبة الشركات التي تطبق الحوكمة في الشركات المدرجة في البورصة والشركات العالمية في مصر..

ويجب ألا نغفل أن معظم الشركات في مصر صغيرة الحجم بواقع ٩٧٪‏ حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وتعاني هذه الشركات العائلية من إشكالية حماية حصص الملكية بدلا من اجتذاب ذوي الكفاءات لتحقيق التطوير الفعلي.

تعد خبرات البورصة المصرية وهيئة الرقابة المالية قادرة على كسر الدائرة المفرغة في الشركات العائلية وإلزامهم بالحوكمة، لذا فقد قامت الحكومات المصرية السابقة بتقديم إعفاءات ضريبية محددة بعشرة سنوات للشركات المساهمة المدرجة بالبورصة لتفعيل الحوكمة واندماج القطاع الخاص (خاصة من الاقتصاد غير الرسمي) نحو الاقتصاد المنضبط وتحقيق الشفافية والإفصاح عن المعلومات للدولة ولأصحاب المصلحة من المساهمين والعمال.

إن توجيه الاقتصاد المصري بقطاعيه الخاص والحكومي نحو جذب الاستثمارات الأجنبية ليست بالسهولة في ظل ماسبق أيضا يصعب دمج الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي، ومن هنا يجب وضع الحوافز والقوانين الحازمة نحو القطاع الخاص لتشجيعه على الإدراج بالبورصة وتطبيق الحوكمة الرشيدة..

أيضا وضع آليات فعالة لدمج الاقتصاد غير الرسمي وتحديدا الأنشطة المشروعة لغلق الدائرة على الأنشطة غير الشرعية نحو تقليص الجريمة، ولا نغفل أن اندماج الشركات وتطورها نحو اللغة الاقتصادية العالمية سيدفعها نحو استيعاب الطاقة البشرية الكفؤ نحو مناصب الإدارة العليا بعيدا عن تابوهات الشركات العائلية (الوراثية المناصب) للانطلاق باقتصاد مصر نحو التنمية..

بتمكين الكوادر الشابة التي تهدف إلى الهجرة خارج الوطن فيتحقق استيعاب الطاقة المجتمعية في مكانها الصحيح لصالح الوطن لتمثل استقرار مجتمعي وتمكين الشباب.

إن تطبيق الحوكمة في القطاع الخاص والقطاع الحكومي يتحرك بالتوازي ويتأثر بذات العوامل الثقافية والاجتماعية والمكاسب النهائية نحو تنمية مستدامة.
الجريدة الرسمية