رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حواديت «محمد غانم»


الفنان التشكيلي "محمد غانم" صاحب الحواديت، تحدث عن أنشودته الغائبة الحاضرة بين حواديت الماضي وحلم الاستشراق.. حكي "غانم" عن البحر وصخوره، عن الأمواج المتراقصة بين ثنايا الضوء المسكوب من غروب الشمس وشروقها.. تغني بصوت البحر الساكن والغاضب، أرسل اللوحات بين شواطئ الإسكندرية في حضور شتائها الأوروبي الطعم، لمست وجداني رائحة البحر عند "غانم"، تسربت إلى أعماق ذكريات العاطفة في صباها.


عندما تكون أغنية الأزرق والأسود والأبيض والرمادى بهذا الاختصار اللوني وهذا واضح المعالم للبحر والسماء في الإسكندرية.. فأنت في حضرة الفنان "محمد غانم".. صاحب هذا النص المقدس والمحدد جدا بكل تحد.. لأن لوحات البحر غالبا ما تحمل تفاصيل ربما أغرقتك في كل البالتة اللونية بتدرجات لا تنتهي. 

أما المايسترو "غانم" له طرح مختلف شديد الوضوح والتحديد ويحمل بعض من روح السريالية وليس تقنياتها.. طرح تم استخلاصه من عبق شتاء البحر في الإسكندرية في حملة تأملية.. ثم انتقل إلى حكي آخر.. يحكي ويحكي ولكن الحدوتة في مرحلة جديدة هي البيوت.. بصورة مستترة يقع الظل عليها أكثر من الضوء.

ألوان تحكي شجن مستتر بفعل الزمان.. عبق المكان يحمل ملامح الأشخاص وأرواحهم ووجدانهم وحكاياتهم بيقين قاطع.. يسمع من وراء كل جدار حدوتة.. خلف كل شباك يؤثرك جماله وتكوينه غنيوة.. عند كل باب مغلق أو مفتوح أمل لقلوب وأرواح عاشت ونسجت حياتها هناك مظلات صامتة أو تمردت بالخروج.. ألوان دافئة لكنها هاربة عالية من وراء الزمان والمكان.

هاربة إلى أرواح ساكني المكان وكاتبي التاريخ هناك.. حارات "غانم" وبيوته دافئة ساكنة بصخب على استحياء تسلب منك حزن ممزوج ببهجة غائبة تنتظرها وانت واثق من تحققها.. تعشق الجدران وانحناءات الشوارع كأنها قصص حبك الأولى.. تتذكر الطفولة بشغفها وحكايات الجدة الملونة، وتجد هناك الفة وحميمة طالما حلمت بها أو مرت بك يوما.

ثم نلتقي لآخر إطلالة وهي التجريد.. لم تكن الحالة الفنية بعيدة عن الدراما والحكايات.. ظلت الحدوتة تتربع على عرش المشهد بأدوات أكثر اختزالا واختلافا.. جاءت الحدوتة هذه المرة معزوفة موسيقية.. احتفظ مرة راقص باليه ومرات تانجو ومرات أخرى موسيقي حزينة.. ومرات كثيرة موسيقي كلاسيكية شديدة الزخم. 

والبقع اللونية هنا هي التونة الموسيقية.. موسيقي غريبة تنبعث من اللوحة إلى قلبك تحكي له وتطربه.. تحلق بالروح هناك في منطقة من التلخيص العذب الذي يحمل ملامح النضج الفلسفي، ولكنه يحتفظ بعفوية الصبا، إنها الجملة الحقيقية في التجريد والذي يصعب على الكثير تحقيقها.

استطاع الفنان "غانم" بجدارة مصور كلاسيكي الخروج إلى صياغة التجريد بفلسفة يملؤها وعي ودراسة طويلة ومشاعر خاصة بتجربة ذاتية ترغب في الخروج بأدوات مختلفة.. تجربة حقيقية خرجت بعد التمرس على صياغة التصويت التقليدي لسنوات ثم الانتقال إلى السيريالية بمنحى آخر في الأبعاد والأحجام والرؤية.. ثم الصعود إلى دراما الأماكن التي تسكنها الأرواح.. وأخيرا الاختصار الموسيقي والاختزال.

كان "غانم" يزف إلينا أساطير مشاعره الشجية عبر مراحل من التغير والتطوير في فن الرسم.. قدم ثلاث مراحل من الأهمية والتفرد واحتفظ بكنزه التراثي وهو "عرايس المولد".... فقد سرب منه بعض الأعمال... واحتفظ. بالخبيئة في مرسمه ولم يقرر بعد إخراجها.

الفنان المصري "محمد غانم" أستاذ التصوير بجامعة حلوان.. جرأة وخصوصية ودراسة متأنية.. وتقديم ممتع.
Advertisements
الجريدة الرسمية