رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"بيكا" و"شطة".. وأشياء أخرى


أما وقد وضعتْ الحربُ أوزارَها بينَ مُطربى المهرجانات: "حمو بيكا" و"مجدى شطة" طوعًا أو كرهًا، أو في طريقها إلى ذلك، فيجبُ علينا أن نُبارك لأنفسنا، الطيب أحسن، والصُّلح خير، والعفوُ من شِيَم الكبار، و"بيكا" و"شطة" كبيران. الحركة الغنائية سوف تخسرُ كثيرًا لو طالَ الخصامُ، ودام السجالُ، واستمرَّ التلاسُن، عبرَ مواقع التواصل الاجتماعى، وفى الجلسات الخاصة والعامة.


لا نأملُ أن يحدثَ بينهما ما حدثَ بين "عبد الحليم حافظ" و"فريد الأطرش". "بيكا" و"شطة" نجمان لامعان في سماءِ الفن، لا يليقُ بهما التشاحُن والتباغُض. تعاونُهما يُثرى الأغنية المصرية، وتألقُهما يرفعُ راية مصر خفَّاقة بينَ العالمين، هما القوى الناعمة الجديدة لبلادِنا، وخيرُ سفيرين لها. أحسنا صُنعًا أنهما قطعا الطريقَ على الحاقدينَ مثل: "عمرو دياب" و"تامر حسنى"، والنقيب "هانى شاكر".. وحسُنَ أولئكَ رفيقًا.

"بيكا" و"شطة" عنوانٌ واضحٌ وصريحٌ لزمنهما. نعيبُ زماننا والعيبُ فينا، وما لزمانِنا عيبٌ سوانا. لا تجلدوهما بألسنتكم الحادة. أوقفوا عنهما موجاتِ السُّخرية والاستهزاء، لا ذنبَ لهما في شئٍ، ليس هُما منْ أفسَدا الغناءَ. سبقَهما كثيرونَ وكثيراتٌ، لم يردعْهم أحدٌ، ولم يتصدَّ لهم "نقيبٌ" أو "لواءٌ". هُما فقط يستكملانِ مسيرةَ القُبح.

القبحُ في مِصرَ.. صناعة كبيرة وتجارة رائجة و"بزنس" ضخم. في مِصرَ مؤسساتٌ قائمةٌ تصنعُ القبحَ وتتربحُ منه وتحميهِ وتدافعُ عن وجودِه، وتكرهُ الجمالَ وتسخرُ منه. إذا دعا داعٍ إلى فضيلة، أو نهى عن رذيلةٍ.. وصمَهُ غِربانُ القبح وصانعوه وحُماتُه والمُستفيدونَ منه بالشططِ والجنون، واتهموه بالرجعيةِ، وطالبوا بسجنِه أو قتلِه أو نقلهِ إلى مستشفى "الأمراض العقلية"، مثلما فعلَ قومٌ "لوطٍ" عندما قالوا: "أخرجوا آلَ لوطٍ من قريتِكم، إنهم أناسٌ يتطهرون"، الطُّهرُ أضحى رذيلةً في "زمن العُهر".

أكثرُ الكتبِ انتشارًا تلكَ التي تُكتبُ من خيالاتِ غُرف النوم. أكثرُ الأفلام نجاحًا تلكَ التي تذخرُ بالمشاهد الساخنة. أكثرُ الفيديوهات رواجًا تلكَ التي تُبرزُ عورة امرأةٍ. الذوقُ المصرىُّ انتحرَ منذ سنواتٍ، وجدَ في الموتِ راحة وهدوءًا، تركَ المجالَ مفتوحًا رحبًا أمامَ صنوفٍ متنوعةٍ من القبح. 12 مليون مشاهدة حققها مهرجانُ "حمو بيكا" المعروفُ إعلاميًا وعالميًا وغنائيًا وفنيًا بـ "رب الكون ميزنا بميزة"، حتى كتابة هذهِ السطور، والحصيلة مُرشحة للزيادةِ، هذا الرقمُ الخُرافىُّ حصدَه "بيكا" خلال أقلَّ من شهر.

"بيكا" يعرفُ قدراتِه جيدًا، فهو يصفُ نفسَه في المهرجان سالفِ الذكر بقولهِ: "صدر قرار من أعلى حصانة.. حمو بيكا في أعلى مكانة"، "التواضع حلو.. مفيش كلام"!

النجاحُ الساحقُ لـ "رب الكون ميزنا بميزة" لم يتوقفْ عندَ المشاهداتِ المليونيةِ، بلْ احتلتْ الأغنية "التاريخية" مركزًا مُتقدمًا في قائمةِ الأغانى الأكثر استماعًا على موقع الأغانى "ساوند كلاود"، فيما خلتْ القائمة من نجوم الوطن العربى، بمن فيهم: "الهضبة" و"نجم الجيل" و"ملكة الإحساس" والنقيبُ "هانى شاكر" الذي أعلنَ الحربَ على "بيكا"، وتدخلَ لإلغاء "حفلهِ "الأسطورىِّ" في ضاحية "العجمى" بالإسكندرية يوم الجمعة الماضية.

"اللى يحضر العفريت يصرفه"، ونقابة المهن الموسيقية ظلتْ فتراتٍ طويلة بابًا خلفيًا لـ"مُدَّعى ومُدعيات الفن"، فهل تستطيعُ النقابة "اليومَ" التكفيرَ عن سيئاتِ "الماضى"، أم أنها تستعرضُ عضلاتِها على "بيكا" و"شطة" فقط؟ مهرجاناتُ "شطة" واسعة الانتشار أيضًا، مهرجانُ "عنبر كله يسمع" تحفة فنية رائعة مكتملة الأركان، وكلماتُها تخاطبُ القلوبَ والعقولَ والوجدانَ، وحققَ مشاهداتٍ مليونية أيضًا.

ليسَ ببعيدٍ، أن يتعاقدَ مُنتجٌ فنىٌّ من "منتجى القبح" مع "النجمين الواعدين" للمشاركة في فيلم "هابط فنيًا"، ولكنه منْ المؤكد أنه سوفَ يكونُ "ناجحًا تجاريًا". السينما - في وقت سابق- أسهمت في شهرة الرعيل الأول من نجوم المهرجانات: "أوكا" و"أورتيجا" و"شحتة" و"ولاد سليم اللبنانين، فالمالُ، ولا شئ غيره، هو الأهمُّ عند صُناع القبح.

وقد يحلُّ "بيكا" و"شطة" ضيفين كريمين نظيرَ مقابلٍ مادىٍّ سخىٍّ على عدد من برامج الصباح والمساء. هذا حدثَ مع "ولاد سليم اللبانين"، ومع صانعى كليب "شيل إيدك.. هو أنا جيت جنبك"؟! هل تذكرون؟! المدارسُ الدوليةُ تستعينُ بالراقصات في حفلات التخرج. الجامعاتُ الخاصة تستضيفُ "بلطجية الفن" ليرووا تاريخَهم المُبهرَ على طلاب المستقبل.

تزامنًا مع أزمة "بيكا/ شطة".. كانت واحدة من تلك الجامعات تستضيفُ "أسطورة" البلطجة الفنيةِ في السنوات الأخيرة، واستقبلته استقبالَ الفاتحين. الآلافُ المؤلفةُ التي احتشدتْ في مدينة "العجمى" يوم الجمعة الماضية لمشاهدة "بيكا" جسدوا مشهدًا قاسيًا، لا يجبُ غضُّ الطرفِ أو التعامى عنه، لأنه يؤشِّرُ لواقعٍ مريبٍ ومستقبلٍ أكثرَ غموضًا، الصورة قاتمة بحقٍّ، وآنَ الأوانُ لهدمِ جميع مؤسساتِ القبح في مصر، وإنْ لمْ تفعلوا فسوفَ يبقى المجدُ، كلُّ المجد، للقُبح في زمن المسخ.
Advertisements
الجريدة الرسمية