رئيس التحرير
عصام كامل

الإيزيديون والأرمن قضية واحدة


أيقظت "نادية مراد" من على منصة منتدى شباب العالم ضمير الإنسانية بحديثها عن الإبادة التي تعرض لها الإيزيديون في قرية "سنجر" بالعراق من قبل داعش، واستطاعت في كلمات بسيطة ومؤثرة أن تحيي في النفوس تفاصيل تلك المأساة ضد أكثر من ستة آلاف إيزيدي، مشيدة بدور الجيش المصري في مواجهة الإرهاب ووقف زحفه والقضاء عليه في سيناء، مطالبة بالاعتراف بالإبادة ضد قومها وهو ما تلقاه الرئيس السيسي بوعد بالاعتراف بذلك.


وما لا شك فيه أن تكرار جرائم الإبادة سببه الرئيسي عدم الاعتراف، خاصة أن للضمير الإنساني ذاكرةً سمكية إزاء ما فعله الإنسان بالإنسان.. صحيح تحمل ذاكرة التاريخ عكس ما تحمل ذاكرة الضمير الإنساني الذي لم يتحرك بشكل يليق بجرائم الإنسان ضد أخيه الإنسان.. التحرك بحاجة إلى وعي إنساني وضغط من جانب الضحية للحصول على حق الاعتراف، ومن ثم ضمان محاكمة المجرم على فعلته، وبالتالي عدم تكرار ذلك مستقبلًا.

الفارق الزمني بين ما تعرض له الشعب الأرمني وما تعرض له الإيزيديون في صالح الإيزيديين؛ فالتطور التقني لوسائل الإعلام جعل العالم قرية صغيرة، وسجلت عدسات المصورين تلك الجرائم بتفاصيلها إضافة إلى الوعي الإنساني بحجم الكارثة.. عندما تحدثت "نادية مراد" أمام منتدى شباب العالم فإنها نقلت رسالتها عبر الأثير إلى كل بقعة على وجه الأرض في لحظة مؤثرة وحاكمة في تحرك العالم الحر نحو الأعراف بهذه الجريمة النكراء، أما ما تعرض له الأرمن فقد فاق كل الحدود.

في أثناء وخلال الحرب العالمية الأولى قادت الدولة العثمانية حربًا شرسة ضد الأرمن من قتل وتعذيب وتهجير قسري في ظروف مناخية قاتلة أدت إلى استشهاد ما بين مليون ومليون ونصف من الشعب الأرمني، أما من وصلوا إلى عواصم آمنة في ذلك التاريخ فقد كونوا شعب الشتات الأرمني.. الآن سكان أرمينيا ثلاثة ملايين، أما الأرمن الذين في الشتات فقد بلغوا سبعة ملايين.. كل ذلك بعد أن قتل الأتراك ما بين مليون ومليون ونصف أرمني.

٤٨ ولاية أمريكية اعترفت بمذابح الأتراك ضد الأرمن، وأكثر من ٢٨ دولة فعلت ذلك وسجلات الأمم المتحدة تشهد على تفاصيل تؤكد أنها كانت "جريمة كبرى".. إبادة ضد جنس الأرمن ارتكبتها الدولة العثمانية بقصد القضاء على هذا الشعب صاحب الحضارة التليدة ولا يزال جبل أرارات الأرمني واقعًا داخل حدود الدولة التركية، ولا تزال الأجيال المتعاقبة تحتفل في شهر أبريل من كل عام بهذه المناسبة الأليمة لتذكر العالم بما فعلته تركيا.

الأرمن يضغطون في كل مناسبة لدفع تركيا إلى الاعتراف بمذابحهم ضد الشعب الأرمني فيما بين عامي ١٩١٤- ١٩٢٣م، وقد كتبتُ في مناسبات كثيرة، مطالبًا بلادي بالاعتراف بمذابح الأتراك ضد الأرمن؛ فهل جاء الوقت المناسب خاصة بعدما أبدى الرئيس السيسي أمام منتدى شباب العالم تعاطفه الشخصي مع ضحايا هذه الجرائم، متمثلا فيما حدث للإيزيديين ووعده بالوقوف دومًا ضد الإرهاب وتداعياته؟!

هولندا آخر دولة اعترفت بمذابح الأتراك ضد الأرمن في شهر فبراير الماضي؛ ولأن مصر في محيطها دولةٌ مؤثرة فإنَّ اعترافنا بهذه المذابح من شأنه أن يؤثر في محيطنا العربي والأفريقي والاعتراف شهادة إنسانية جديدة من مصر التي تخوض حربا بلا هوادة ضد القتل والتدمير وسيادة روح الجاهلية الأولى وعصور الظلام التي ارتكبت ضد الإنسانية جرائم.. جاء الوقت لحصار أصحابها حتى لو كانوا في القبور.

إنني على يقين أن صانع القرار المصري يدرك جيدًا أبعاد تلك الجريمة التي ارتكبت ضد الإنسانية في أرمينيا وإسطنبول عندما ألقوا القبض على أعيان الأرمن ونكلوا بهم وقادوا حربا شرسة ضد سكان عزل فهجروا إلى مصر وسوريا وعدد من الأقطار العربية؛ ليظلوا بعيدين عن ديارهم.. من عاش منهم واستطاع الهرب كون أسرًا في الشتات لا تزال شاهدةً على جريمة الأتراك حتى اليوم.
الجريدة الرسمية