رئيس التحرير
عصام كامل

رؤساء الأحياء في المصيدة.. المقاولون كلمة السر في فسادهم.. والنواب والمساعدون أشد خطورة.. «موسى»: عمال الإشغالات والتراخيص يمتلكون سيارات بملايين.. و«عرفة» فيزيتا الرشوة تبدأ من 30

وزير التنمية المحلية
وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي

"الفساد في المحليات للركب".. عبارة شهيرة لرئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي، حذر فيها من انتشار الرشوة في عمل المحليات، مضت سنوات طويلة على كلام عزمي لكن الفساد ما زال يرتع في المحليات، ويكاد لا يمر يوم دون أن نسمع عن القبض على رئيس حي أو مسئول في دولاب المحليات تقاضى رشوة، مقابل تسهيل أعمال مخالفة أو التغاضي عن أعمال تتم خارج إطار القانون، حتى تحول الأمر إلى ظاهرة خطيرة تقوض جهود الدولة في محاربة الفساد.


ورغم الاهتمام الواضح من قبل الأجهزة الرقابية بملاحقة من باعوا أنفسهم للشيطان، وحنثوا بيمينهم في احترام الدستور والقانون، فإن أحدا لا يعرف كواليس ما يدور داخل تلك الأحياء، وما الأسباب وراء انتشار جرائم الفساد والرشاوى داخل الإدارات المحلية والأحياء والمدن؟ ومن هم المتورطون الحقيقيون فيها؟!

في هذا الموضوع تحدثنا مع رجال من داخل "مطبخ المحليات" لنستعرض معهم كواليس وأسرار وأسباب فساد الأحياء.

المقاولون كلمة السر

المهندس محمد موسى، رئيس حي الزيتون والعمرانية الأسبق يرى أن غياب الخبرة هو السبب الرئيسي في شيوع الفساد، مؤكدا أنه يعمل منذ 33 عاما في المحليات، وكان يرى أمامه رؤساء أحياء لم يتجاوزوا ثلاثة أشهر في منصبهم ويتلقون الرشاوى المالية والسيارات والفيلات.

وأوضح موسى أنه في بداية تولي أي رئيس حي يدخل له المقاول لـ"جس نبضه"، ليرى إن كان يمكنه أن يستجيب له أو لا، فالمقاولون لهم مصالح كثيرة يريدون أن يمرروها دون مخالفات، مثل: تصاريح أدوار مخالفة أو غض النظر عن عمارة دون ترخيص وهكذا، متابعا: "يدخل المقاول لرئيس الحي يقوله يا باشا فيه كذا كذا وعينيا ليك"، وهنا يبدأ التفاوض بين رئيس الحي والمقاول، مؤكدا أنه بمجرد أن يسمع كلمة "عينيا" من مقاول كان يقوم بطرده على الفور.

نواب رؤساء الأحياء والمحافظين

لكي يدخل رئيس الحي مع المقاول في التفاوض على الرشوة، لا بد أن يكون هناك وسطاء، وهؤلاء الوسطاء هم نواب ومساعدو رئيس الحي، ويقول موسى: "للأسف الشديد لما بيمسكوا بيمسكوا الرأس وسايبين باقي الجسد الفاسد، اللي بيمتلكوا العمارات والسيارات الفاخرة".

وأوضح موسى أن هناك من كان يعرفهم معرفة وثيقة من عمال الإشغالات والتراخيص يمتلكون سيارات يتجاوز سعر الواحدة منها نصف مليون جنيه.

وشدد رئيس حي العمرانية السابق على أن وظيفة رئيس الحي هي وظيفة تنسيقية فقط، أي إنه يمكن أن يكون ضابط جيش أو شرطة ليس له علاقة بالهندسة أو المحليات عموما، فبالتالي لا يعرف معنى أن يكون هناك بروز في محل، أو عمارة غير مطابقة للمواصفات، أو تعدي على فراغ سياحي، وبالتالي الذي يحركه هم نوابه ومساعدوه.

وأوضح أن الفساد لا يقف عند رؤساء الأحياء أو نوابهم ومساعديهم فقط، بل إن هناك نوابا محافظين كذلك متورطون في هذا الفساد، ليس بصفتهم يتلقون رشاوى أو خلافه، لكنهم على الأقل يغضون الطرف أو بمعنى آخر "يعملوا نفسهم مش شايفين اللي بيحصل"، وبالتأكيد يكون لهم مصالح في ذلك.

غياب المستندات

يتعمد رئيس الحي عند تورطه في قضية رشوة أن يعمل دون مستندات، ويشير موسى إلى أن رؤساء الأحياء الفاسدين يرفضون التوقيع على أي ورقة حتى لا يكون هناك أي مستند يدينهم فيما بعد، لذا فإن كل المستندات التي تثبت تورطهم في قضايا الفساد هي التسجيلات الصوتية فقط، بينما تختفي الأوراق تماما.

دور المحافظ

وأكد المستشار محمد عطية، وزير التنمية المحلية الأسبق أنه لا توجد قواعد معينة مكتوبة يتم اختيار رؤساء الأحياء على أساسها، لكن تعتبر أهم المعايير التي لا بد من توافرها هي النزاهة والكفاءة، لكن للأسف يتم اختبار ذلك تحريريا وشفهيا عن طريق مقابلة لجان للتقييم، لذا يكون هناك بعض الاختيارات غير السليمة.

وأشار إلى أن رئيس الحي يتبع المحافظ أولا، وينحصر دور الوزير في تفويض رئيس الوزراء له بتعيين ونقل رؤساء الأحياء، لكن المحافظ يكون عليه الدور الأكبر في متابعة ومراقبة أداء رئيس الحي.

وطالب عطية برقابة جدية على رئيس الحي عند اختياره من قبل الرقابة الإدارية أو أمن الدولة أو المخابرات، مشيرا إلى أن قضايا فساد رؤساء الأحياء لا تنحصر في مجرد تلقى الرشاوى، بل يكون لها تداعيات خطيرة على الدولة كذلك.

قيمة الرشاوى

وأكد الدكتور حمدي عرفة خبير الإدارة المحلية، خبير استشاري البلديات الدولية، أن متوسط الرشاوي التي يتلقاها رؤساء الأحياء يتراوح ما بين 300 ألف جنيه إلى 4 ملايين جنيه، مشيرا إلى أن عدم تعديل قانون البناء الموحد رقم 119 لعام 2008 فتح باب الفساد لرؤساء الأحياء والمواطنين، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن معظم القضايا التي تلاحق رؤساء الأحياء المتهمين بقضايا فساد مؤخرا بتهمة تلقى رشوة، كانت نظير إعطاء ترخيص هدم لأحد العقارات أو التغاضي عن مخالفات بناء أخرى وغض الطرف عن المخالفات البنائية، وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها بإزالتها، وكذا السماح للمالك باستكمال تلك الأعمال.

تغيير القيادات

وأوضح عرفة أنه تم إجراء 81 حركة محافظين حتى الآن منذ إنشاء نظام الإدارة المحلية في جمهورية مصر العربية، ولم يتبعها سوى 25% من حركة رؤساء الأحياء، مطالبا بإجراء تغيير جذري لقيادات الإدارة المحلية، والإطاحة بالمتكاسلين والمقصرين من رؤساء المراكز والمدن والأحياء والوحدات المحلية القروية، وكذلك استبعاد عدد من رؤساء الأحياء غير المدركين لملفات المحليات.

وأضاف: "هناك عجز إداري من قبل الأغلبية العظمى من رؤساء الأحياء والوحدات المحلية القروية، عدد القرى في مصر يبلغ 4000 و726 قرية، يتبعها ما يقرب من 26 ألفا و٧٥٧ عزبة وكفر ونجع، يمثلون في مجملهم 40% من مساحة وسكان مصر، إلا أن الاهتمام بتلك المناطق هزيل للغاية.

معايير الاختيار

وعن معايير اختيار رؤساء الأحياء، فضّل خبير الإدارة المحلية أن يكون أكاديميا ومتدرجًا في أحد المناصب في الجهاز الإداري للدولة، ومن أبناء المحافظة ذاتها، وأن يكون لديه رؤية إستراتيجية، ويفكر خارج الصندوق، ويجيد فهم ملفات الإدارة المحلية من عشوائيات وعقارات مخالفة وتخطيط عمراني وإدارة السرفيس والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمشروعات العامة والقومية داخل نطاق المحافظة، ومؤمن بتطبيق اللامركزية، ويفهم القوانين المتعلقة بالمحليات، وأن يكون قادرا على التطوير المستمر، وإدخال التكنولوجيا، ومحاربة الفساد والمفسدين.

وأشار عرفة إلى أنه يوجد 3185 قانونا ولائحة وقرارا يتعلقون بالإدارة المحلية، لا بد أن يكون المختار على علم بهم ويجيد السلوك الإداري التنظيمي للعاملين داخل نطاق المحافظة، وعلى علم بالقوانين المتعلقة بقانون الخدمة المدنية والعشوائيات، وقانون البناء الموحد وقانون الإدارة المحلية رقم 43 لعام 1979م، فضلا على أن يتم اختيارهم بناءً على الخبرة والكفاءة وحل مشكلات المواطنين، وإجراء جولات ميدانية لمواجهة العقبات التي تواجه تنفيذ المشروعات العامة.


"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية