رئيس التحرير
عصام كامل

التنمية الاقتصادية نحو الطبقات الأكثر احتياجا


مع اتساع العولمة الثقافية عالميا تغير النمط الاقتصادي للطبقات الفقيرة ولعل إدراك الثقافة الاستهلاكية للطبقات التي تقبع في قاعدة الهرم تعد هي المعادلة الأصعب نحو تحقيق مكاسب من خلال تحقيق طموح هذه الطبقات نحو التنمية والكرامة، من خلال خلق أسواق تخاطبهم، أما الطبقات الأعلى فما زالت تمثل نسبة أصغر في القوة الشرائية في الدول النامية، وفي كتاب "كيف تحقق ثروة وتطور الدول النامية في آن معا" كتب "سي كي باراهالاد" أن مجرد مبادرات المسئولية الاجتماعية لن تحقق استدامة التنمية المستهدفة، لأن دولا مثل البرازيل والهند والمكسيك والصين وروسيا وإندونيسيا وتركيا وتايلاند وجنوب أفريقيا ناتجها المحلي 12.5 تريليون دولار ليتخطى إجمالي الناتج المحلي لدول فرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا وإيطاليا.


إن العولمة تدفعنا نحو إدراك تجارب التنمية الناجحة وإدراك أن فقراء الهند والصين والبرازيل وغيرهم يمثلون الطاقة البشرية الهائلة التي حركت عجلة الثورة الصناعية، وبالتالي يستحقون جني ثمار التطور ويشكلون ٣٥: ٤٠٪؜ من سكان المدن، وبالتالي يسهل الوصول إليهم، وهم طبقات مستهلكة وأثبتت الدراسات شغفهم بالماركات والعلامات التجارية الشهيرة، ولعل سوق شبكات الموبايل أكثر انتشارا في هذه الدول..

ففي الصين تجاوز عدد الموبايلات ٢٥٠ مليونا، وفي الهند ١٠٠ مليون والبرازيل نحو ٤٠ مليونا، مما دفع سامسونج لابتكار موبيل منخفض التكلفة يناسب هذه الأسواق.. ببساطة أن هذه الأسواق تمثل فرصة للشركات عابرة القارات أو للقطاع الخاص المحلي، ولعل تجربة خدمات ITC في الهند التي قدمت للمزارعين الأسعار عن طريق الإنترنت في جميع الأسواق بما حقق مقاومة الاحتكار والابتزاز والتلاعب بالأسعار لتسويق المنتجات بأسعار مقبولة لكل الأطراف.. وأثبتت الدراسات أن تعميم البطاقات الإلكترونية قلص من نسب الهدر والفساد.

وفي مقال سابق أشرنا إلى أن تجربة الهند أثبت خطأ الفكرة التقليدية أن الموارد البشرية الضخمة عقبة نحو التنمية، فقد أثبتت الهند عنصر النجاح الاقتصادي ومثلت الطبقة المتعلمة الناشئة قوام الطبقة الوسطى الطموحة نحو الاستهلاك، وحقها في تداول المنتجات التي تحقق نوعا من الرفاهية والكرامة، فقد اتجهت أمازون ورينو لاقتحام السوق الهندي بمنتجات مبتكرة منافسة سعريًا أيضا سوزوكي وهيونداي، واستفادت هذه الشركات بالتبعية بانتقاء الكفاءات الهندية نحو هياكلها على مستوى العالم، مع جعل الهند مركزا لابتكار منتجات منخفضة التكلفة لغزو الأسواق الناشئة المماثلة بما يناسب أذواقها..

لعل التوتوك أحد ملامح هذه السياسات حتى لو اختلفنا على آثاره، لكنه عوض نقص وسائل المواصلات العامة في المناطق الفقيرة والمتطرفة.. الاقتصاد الهندي الذي أصبح يحتل المرتبة الخامسة عالميا وتستهدف الهند في المستقبل المرتبة الثالثة عالميا خلال سنوات.. بناء على خطة تنمية مستدامة ولا نغفل أن تجربة بنك الفقراء لمحمد يونس في بنجلاديش من خلال قروض متناهية الصغر أثبتت أن هؤلاء يمتلكون من الإبداع، والإصرار والمبادرة الشخصية، بما قد يحقق تنمية مستدامة على مستوى شامل للدولة...

إن أستاذ الاقتصاد بجامعة كيمبردج الحائز على نوبل الاقتصاد ١٩٩٨ "إماراتيًا صن" الهندي الجنسية كتب عن قدرة الرأسمال البشري نحو التنمية في كتابه التنمية حرية في أكتوبر ٢٠١٨، أطلق البنك الدولي مؤشر الرأسمال البشري بالتوازي مع حصول "بول رومر" على نوبل ٢٠١٨ الذي قرر محددات التنمية الاقتصادية للدول لتشكل معدل النمو الاقتصادي وهي الرأسمال النقدي والعمل والرأسمال البشري ومعدل التكنولوجيا في الدولة.

تختلف تجارب التنمية في الدول النامية تحت مظلة العولمة التي تزداد يوما بعد يوم لتشمل العالم أجمع، ويجب أن نتفق أن أسوأ ما يمكن فعله بالفقراء هو المنح والمعونات بلا جهد أو مبادرة أو حافز، وأخطر ما يمكن أن يدمر تنمية اقتصادية مستدامة هو التأميم قصرا لأن الاقتصاد تحكمه قواعد وقوانين.

وما زال الحديث ممتدا نحو تجارب دولية ناجحة نستلهم منها تجربتنا الوطنية، لتحقيق حلم مصر ٢٠٣٠ لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
الجريدة الرسمية
عاجل