رئيس التحرير
عصام كامل

شفافية حاكم عربي


مبدئيا أنا ضد التطبيع الشعبي مع الكيان المحتل، المسمى مجازا إسرائيل، وأنا أيضا مع حق الشعوب في أن تمارس دورها في رفض التطبيع كوسيلة ضغط على المحتل، حتى يحصل شعبنا العربى الفلسطيني على حقوقه كاملة، ومع حقي هذا أرى أن من حق من بيدهم الأمر أن يخوضوا معارك دبلوماسية، للوصول إلى تسوية سلمية تعيد الحقوق لأصحابها، ولذا فإن ما فعله السادات كان حقا له، استطاع من خلاله تحرير أرض سيناء، ولو طاوعه العرب ربما لتغير شكل المنطقة كلها. 


أقول ذلك بمناسبة ما صاحب زيارة بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان ولقائه بالسلطان قابوس بن سعيد، والتي صاحبها توضيحات من وزير الشئون الخارجية يوسف بن علوى، عندما قال: "لا وساطة بل تيسير" رافضا منح بلاده فكرة الوساطة، وتأكيده على أن الدور الأمريكي هو الأكثر أهمية في إقرار عملية السلام.

الفارق الأهم في زيارة نتنياهو لسلطنة عمان أن الذي أعلن خبر الزيارة هو التليفزيون الرسمى للسلطنة ووكالة الأنباء العمانية، نتنياهو التقى شخصيات عربية كثيرة خلال الفترة الماضية، غير أن الفارق كان دوما هو تسريب أخبار زياراته عبر الإعلام العبرى، دون رغبة من الأطراف العربية التي التقته.. في زيارة سلطنة عمان الأمر مختلف، ربما أراد له صانع القرار العماني أن يكون مختلفا.

الفارق هو الشفافية، والشفافية في السياسة الخارجية العمانية رسالة تؤمن بها السلطنة على مدار تاريخها، وقد دفعت أثمانا على ذلك، ولم تغير بوصلتها ولا طريقتها، عندما زار السادات القدس حاصر العرب قاهرة المعز، وقاطعوها إلا سلطنة عمان التي كان لها موقف مغاير ومعلن تماما، رغم ما كان في ذلك الوقت من اتهامات بالتخوين لمن خالف رأى الجماعة، قالت السلطنة كلمتها: مصر هي من تدفع الثمن من دماء أبنائها، ومن حقها اتخاذ ما تراه مناسبا لها.

مع سقوط تمثال صدام حسين في بغداد خرج العرب ربما من قبلها من العاصمة العراقية إلا سفارة السلطنة بقيت كما هي، حتى عاد العرب واحدا تلو الآخر إلى بغداد، أعلن الخليج العربى ومعهم مصر مقاطعة الدوحة، وكان لسلطنة عمان رأى آخر، ظلت عمان بسفارتها في الدوحة، مؤكدة أن الاختلاف في الرأى لا يعنى المقاطعة، وقبلها عندما وقف الخليج في خانة العداء لإيران، ظلت سلطنة عمان تدير حوارا راقيا بهدف منع سقوط المنطقة في أتون حرب الكل فيها خاسر.

وعندما التقى وزراء وقادة عرب على مدار سنوات مضت مع نظراء لهم من الكيان المحتل، كان ذلك يتم سرا إلا في سلطنة عمان التي قررت أن يكون خبر الزيارة صادرا عن تليفزيونها الرسمى ووكالة أنبائها، وذلك كله تحت شعار "ليس لدينا ما نخفيه".. الأمر هنا يرتبط بسياسة خارجية لها أطرها المعروفة، لا تحيد عنها، اختلفنا مع ذلك أو اتفقنا، فقد أثبتت الوقائع أن العرب عادوا إلى مصر، وعادوا إلى العراق، وها هم يعودون إلى الدوحة، ولن يعم السلام في المنطقة دون حوار عربى- إيرانى.

وفي تداعيات زيارة نتنياهو للسلطنة يبقى الحال على ما هو عليه من تطبيق نفس المنهج وذات الطريقة، لقاء تلى لقاء السلطان بالرئيس الفلسطيني، وبعض عبارات لوزير الشئون الخارجية العمانى، تؤكد أن السلطنة ليس لديها خطة، وإنما قدمت نصائح للطرفين بهدف التيسير ويبقى الحل النهائي رهين الإرادة الأمريكية في إقرار السلام.. خبر إعلان الزيارة من داخل مسقط يؤكد أننا سواء كنا معه أو ضده فإننا أمام موقف شجاع.
الجريدة الرسمية