رئيس التحرير
عصام كامل

السادات.. الذي لا تنضب ذكراه أبدا!


لم أكن اتجاوز من العمر السابعة، حتى أفهم جيدا أسباب ما يحدث حولي من مظاهر الحزن الشديد بين كل الناس في كل مكان، في يوم كنت أنتظره من العام للعام، منذ بداية قدرتي على التمييز أثناء طفولتي، فقد نشأت في المدينة الجوية بالكلية الجوية - مدينة بلبيس، محافظة الشرقية، وبطبيعة الحال، كانت مظاهر الاحتفال بشهر أكتوبر تبدأ في المدينة الجوية مبكرا جدا، استعداد للاحتفال الكبير في يوم السادس من أكتوبر، ارتبطت بهذا الاحتفال ارتباطا قويا، دون أن أفهم تفاصيله، فقط كنت أردد كلمتين، احفظهم دون فهم، "يوم النصر"..


كنت ارتدي بدلة ضابط وأنا طفل عمره ٣ سنوات، وأذهب لأحضر العروض التحضيرية للطائرات في الكلية الجوية، مع والدي رحمة الله عليه، إلى أن يأتي يوم السادس من أكتوبر، فأصبح مقيما أمام التليفزيون حتى بداية إذاعة حفل الاحتفال بيوم النصر وإلي نهايته، لأشاهد الطائرات التي أعشقها، وظل ذلك يتكرر سنويا، حتى أصبحت أحب الجيش، وأحب الرئيس محمد أنور السادات، وأحب فيهم وطني العظيم، مصر الخالدة في قلبي ، وأصبح السادات يمثل لي كطفل الجيش والوطن معا.

شهدت في التليفزيون واقعة اغتيال الجيش والوطن حسب معتقدات طفولتي البريئة، شهدت واقعة اغتيال البطل الذي أعشقه منذ أن بدأت أفهم معاني الكلمات، تم اغتيال من أحب أمامي بأيادٍ غاشمة على الهواء مباشرة، انخرطت بعدها في بكاء طويل وصريخ دامٍ من القلب، وحزن عميق استمر معي شهورا طويلة، اختلط بمظاهر حزن مختلفة غير مفهومة بالنسبة لي من كل الناس وفِي كل مكان، فقد كان هذا الرجل بالنسبة لي هو البطل، كنت أراه علامة النصر والبطولة، وكل شيء يجذب طفولتي البريئة المتحمسة المجردة من أي أيديولوجيات!

كبرت على حب السادات، بل عشقه، حتى إنني لم استطيع أن أحب مبارك بسبب حبي للسادات، فلم تكن هناك مساحة في قلبي لشخص بعد السادات، فبدأت أشاهد بعض خطاباته بعد اغتياله دون فهم، فقط أشاهد المسجلة منها على شرائط فيديو حتى أراه وأسمعه، وبدأ نضج حب الوطن يتدفق في قلبي ودمي حين أسمع صوته أو أري صورته، حتى إنني شاهدت كل خطاباته المحلية والدولية ودققت التفكير فيها، رأيته وما زلت عظيما بمعني الكلمة، أتفق معه من اتفق، واختلف معه من اختلف..

فيكفيني لعشقه، أني لم اقتنع بأحد غيره، وقد درست الجميع واستمعت إليهم وشاهدتهم، دراسة واستماع ومشاهدة احسبها واعية، يكفيني أنه من وضع تعريفا عمليا للتعامل بندية مع كل زعماء العالم في كل شيء، فلم يكن في يوم تابعا أو يتحدث طبقا لتعليمات قطبية، رأيته ذكيا، شجاعا، حكيما، شامخا، لا يجيد الحديث الحنجوري فقط، ولكنه كان يجيد الحديث العملي القصير ذا المعني، حينما يتحدث بالعربية أو الإنجليزية، فقد كان خطيبا مفوها حين يرتجل باللغتين..

وكان قاموسا عربيا ناطقا لا يخطأ في صرف أو نحو حين يتحدث من خطاب مكتوب، يستمع له الجميع بجدية واحترام، وضع حدودا للجميع دون مواربة أو كسب ود مصطنع يتسبب في فتن طائفية، استجاب لصرخات الشعب، حينما استغاث به عند زيادة سعر الخبز، ووضع لبنة المدن الصناعية الجديدة التي استكملها بعده مبارك، وقضي على ذراع الجماعات المتطرفة، ودفع الثمن من دمه، ليعيش بطلا ويموت بطلا!

سنظل دائما أجيالا خلف أجيال نعتز ونفتخر بهذا الرمز وهذا الانتصار، وهذه الحقيقة الراسخة التي نحملها تاجا فوق رؤوسنا، ليتحدث عنها أبناؤنا وأحفادنا أبدا بكل فخر واعتزاز وتقدير، كما توقع السادات في خطاب النصر أمام مجلس الشعب الموقر، وسيظل التاريخ يذكر هذا الرجل العظيم بكل عظيم، وسأظل كل يوم أفهم أسباب مظاهر الحزن الشديد بين كل الناس، التي شهدتها وأنا في السابعة من عمري دون فهم أو وعي، وستبقي سيرة السادات دائما، حافزا للحفاظ على الكرامة والعزة والوطن!
رحم الله الرئيس السادات الذي لا تنضب ذكراه أبدا، وعظم أجر محبيه، وحفظ مصر من كل مكروه وسوء.

الجريدة الرسمية