رئيس التحرير
عصام كامل

«فوطة ميسي».. رحلة البشكير المصري من المحلة لـ«كلاسيكو الأرض»

فيتو

«كنت أجلس بين أصدقائي على أحد المقاهي بالمدينة في نهايات عام 2002، لمشاهدة مباراة كلاسيكو الأرض بين برشلونة وريـال مدريد، كنت أنتظر بفارغ الصبر انتهاء المباراة، لم تكن النتيجة تهمني، لكني كنت أتحرق شوقا لأن أرى أعظم لاعبي العالم، وأفضل من لمست أقدامهم كرة القدم يضعون «بشكير» من إنتاج مصنعنا على أكتافهم في نهاية المباراة»،  هكذا يقول وليد عبد المعطي الكفراوى صاحب أحد مصانع الغزل التي تصدر منتجاتها إلى نادي برشلونة الإسباني.


المهندس «وليد» يشعر بشيء من الفخر والتباهي بأنه تمكن من استكمال حلم والده والوصول إلى العالمية وترسيخ أقدامه داخل أكبر الماركات العالمية: «نحن نعمل مع كبريات الماركات العالمية على شاكلة جورج أرماني، كاب، لوريال وفيلا وأديداس، وغيرها من الماركات الكبيرة، لكن كان الحلم الأكبر هو الدخول إلى عالم الأندية الكبيرة، فذلك له طابع خاص ومميز».

قبل نحو ٥٠ عاما، كان الشاب «عبد المعطي الكفراوي» لم يبلغ بعد عامه الخامس عشر، كان مولعا بمراقبة حركة ماكينات النسيج التي تعمل بألوان الخيوط الزاهية يشعر كأن الحياة تتلون بألوانها، كانت مشاهدة من أجل التعلم، فكان بالنظر يفهم كيف تتحرك تروس الماكينة، ووظيفة كل جزء داخل الماكينة، ليبدأ تجربته الخاصة بتصنيع أول ماكينة مصرية للنسيج عام 1966.

لم تطأ قدماه يوما المدرسة، لكنه كان يملك في قلبه وعقله حلما، وأراد أن يجد لنفسه موقعا في الحياة، حمل هّم مشروعه الأول وباع كل ما يملك -منزله- ليتمكن من تحقيق حلمه، وبناء أول مصنع بيديه مكون من أربع ماكينات، كانت المهمة صعبة، لكن حلمه وإيمانه بنفسه كان أكبر من اَي تحدٍ.

كبر الولد وكبر حلمه معه، وتوارثته أجيال من بعده، حملت تلك الأجيال حلم الأب، «أن يكون رقم واحد في التصدير» وأن يدلف بقدماه داخل أكبر الماركات العالمية، فحمل عام ٢٠٠٢ خطوة كبرى كثيرا ما تمنتها عائلة «الكفراوي» بانضمام أكبر أندية العالم إلى عملائه، وعلى رأسها أندية برشلونة وريـال مدريد واليوفنتوس وأتليتكو مدريد وغيرها من الأندية الأوروبية.

ليضع نجوم تلك الأندية بشكير "الكفراوي" فوق أعناقهم، ويحملونه معهم داخل المستطيل الأخضر وخارجه، قصة حلم بدأ عام 1966 تحقق في الألفية الثالثة، بداية من بشكير العروسة إلى بشكير برشلونة وريـال مدريد.

التقت «فيتو» الحاج عبد المعطي الكفراوي، صاحب أول ماكينة نسيج مصرية الصنع: «أنا أعمل في هذه المهنة منذ أن كان عمري 15 عاما، ملأت قلبي وعقلي فلم أتركها يوما واحدا، في عام 1965 كنت أعمل في أحد مصانع الغزل والنسيج، لم أكن سوى طفل يبحث عن عمل يقتات قوت يومه هو ووالدته التي لم تلد غيره، لكني سرعان ما عشقت المهنة وأحببتها، وأصبحت كل كياني، بدأت في مشاهدة المهندسين وهم يصنعون ماكينات النسيج، وتعلمت بالمشاهدة كيف أصنع ماكينة نسيج بشكل بدائي".

قضيت 6 شهور أتابع عمل المهندسين، وأدركت كل خطوة يقومون بها، في صباح أحد الأيام ساقتني قدماي إلى مكتب صاحب المصنع الذي أعمل به، كان رجلا محبا للشباب، ومقدرا لطموحاتهم، تجرأت وأخبرته عن رغبتي في صناعة ماكينة نسيج: «أنا أقدر أعمل ماكينة نسيج لوحدي من غير مساعدة حد»، فوجئ الرجل، ولكنه كان على قدر من الحكمة لامتصاص حماسة الشاب، وطالبه بمباشرة العمل في اليوم الثاني لصناعة الماكينة.

نجح الشاب عبد المعطي في تكوين الماكينة وجاء يوم التجربة: «بعد عمل دام لشهور تمكنت من أن أصنع الماكينة بمفردي، وعندما حان وقت التشغيل كنت أشعر بالخوف يسري مسرى الدم في عروقي، ليلتها لم أتمكن من النوم، وفي الصباح الباكر كنت أول الحاضرين أمام باب المصنع، وجاءت اللحظة التي انتظرتها، وكنت أقف على يمين صاحب المصنع، وما أن دارت الماكينة لمدة لا تتجاوز عشر دقائق حتى احترق الموتور، وشعرت بإحراج شديد، وكنت شابا صغيرا، وعرف اليأس طريقه إلى فبكيت كأنني لم أبك يوما من قبل».

المدير الشاطر هو من يستطيع أن يمنح الثقة لمن حوله من الموظفين، يقول الحاج عبد المعطي «لم يستاء مني صاحب المصنع، بل شجعني على إعادة التجربة مرة أخرى، وقد كان، وتمكنت من تصنيع أول ماكينة نسيج مصرية بشكل كامل".

بعد نحو 10 سنوات من العمل بالتحديد في منتصف السبعينيات كان عبد المعطي صاحب واحد من أكبر المصانع في المحلة الكبرى، وغزت منتجاته (البشكير) السوق المحلي بشكل كبير، لكنه أراد أن يتوسع أكثر وكانت الفرصة مواتية: «زارنا في أحد الأيام خواجة إيطالي أراد أن يتعامل معنا، بعد أن سمع عن جودة منتجاتنا، وبالفعل توصلت معه إلى اتفاق، وبدأت في التصدير إلى إيطاليا".

استمر الحال على هذا المنوال يصدر إلى إيطاليا، ويعرض بعض منتجاته في السوق المحلي لسنوات طوال، في تلك الفترة بدأ بزوغ نجم نجله المهندس وليد الكفراوي حيث ورث حب المهنة من والده، يقول وليد: «منذ نعومة أظافري وأنا أرى والدي في هذه المهنة، كان يصطحبني دومًا إلى عمله فعشقت منه تلك المهنة وأحببتها أكثر من تخصصي في الهندسة المدنية».

كان للشاب «وليد» تطلعات أخرى، أراد أن يلف العالم، وأن تغزو منتجاتهم كافة بلدان العالم، وأن يضع شعار «صنع في مصر» في كافة الماركات العالمية، وفي عام 2002 كان أحد المعارض الموجودة في ألمانيا يفتح ذراعيها للمصدرين المصريين، وكان «وليد» ممثلا لمصنع عائلته في ذلك المعرض، وبالفعل تمكن من إبرام تعاقد مع الشركة الراعية لفريق برشلونة الإسباني: «وصلنا إلى اتفاق لم يكن مربحا بالنسبة إلينا من الناحية المادية، فكانت الشركة تشتري منا «البشكير» بنحو 5 يوروهات فيما تبيعه إلى برشلونة بمبلغ يقدر بـ40 يورو، لم يكن المكسب المادي هو ما يهمنا، لكننا ندرك بعقلية المصدر أن إضافة اسم نادي برشلونة إلى السيرة الذاتية إضافة حقيقية لنا».

توالت النجاحات فيما بعد، حيث تمكنا من أن نجد مواقع داخل أكبر الأندية في العالم، فانضم إلى القائمة (اليوفنتوس، وأتليتكو مدريد، وريـال مدريد) وأصبح بشكير الكفراوي علامة مسجلة وذا ثقل داخل السوق العالمي.

كان الوصول إلى نادي ريـال مدريد صعبا، خاصة أن الملكي الإسباني واحد من أعرق الأندية، وأكثرها شهرة وسطوة، إذ كان يضع مواصفات صعبة على أي مصدر، يقول وليد: «اتخذنا قرارا بأن نصل إلى النادي الملكي، لم نضع المال في الحسبان، لكننا وضعنا القيمة المعنوية في المقام الأول، تواصلنا مع الشركة الراعية، وتمكنا من إبرام تعاقد كالعادة لم يكن مربحا ماديا، لكننا فضلنا وضع شعار «صنع في مصر» في منزلة أكبر من المال، ونجحنا في التعاقد معهم وتصدير بشكير الكفراوي إلى ريـال مدريد.

الجريدة الرسمية