رئيس التحرير
عصام كامل

سموم للبيع


ربما يبدو العنوان غريبا لأول وهلة، لكنه جاء مقتبسا من رجل صادق شاهدته صدفة في جولة صحفية بسوق الإمام الشافعي منذ نحو عقد من الزمن تقريبا، كنت أجري تحقيقا استقصائيا عن السوق، وكانت الفكرة أن أعيش بسوق الإمام الشافعي كأحد زبائنه، ثم أعود وأدون كل ما شاهدته كمغامرة صحفية بالتفصيل، كان كل شيء للبيع من الإبرة إلى الصاروخ.


أغرب ما شاهدته في هذا السوق رجلا يقف ثابتا لينادي "سموم للبيع.. سموم للبيع" أسرعت أشاهد ما يبيعه، ظننته يبيع مواد قاتلة للحشرات المنزلية أو مبيدات للآفات الزراعية، وكانت المفاجأة أن الرجل يحمل بين ذراعيه علبا متراصة لكل أنواع السجائر.. لا أدري على أي نظرية إعلانية استند الرجل في دعايته أو إعلانه الشخصي عن منتجات يبيعها، لكنه على أية حال كان صادقا في وصفه.

تأكد لي صدق الرجل أكثر حينما بحثت عن مخاطر التدخين في مكتبة إلكترونية سعتها 10 آلاف كتاب.. لم أكن أتخيل حجم الكارثة، وأن مواد مستخدمة في صناعة التدخين تستخدم فعلا في صناعة مبيدات الحشرات، وبعيدا عن الحكم الدينى لمصيبة التدخين فهو واضح كالشمس في كل مذاهب الفقه الأربعة، لكن ما لفت نظري أكثر هو الفتاوى القديمة بأن التدخين مكروه أو لا حرج منه أصلا، وكان أشهر هذه الفتاوى فتوى رجل صوفي حلل فيها شرب الدخان وهو الشيخ عبد الغني النابلسي القادري النقشبندي الحنفي الدمشقي، من كبار صوفية وقته، حيث كان يوصف بالعارف بالله.

ولد الشيخ عبد الغني النابلسي سنة (1050 هـ) وألف كتابا عنوانه "الإصلاح بين الإخوان في إباحة شرب الدخان"، وكان علماء عصره ينكرون عليه إباحة الدخان، وفي زيارة قام بها النابلسي إلى دار الخلافة في الآستانة، التقى النابلسي بشيخ الإسلام سنان أفندي -مفتي دار الخلافة والذي يلقب بـ (التي برمق) وكان من علماء الحنفية-، وتناظر الشيخان وليتهما ما تناظرا، فبدلا من أن يقنع "التي برمق" النابلسي الصوفي بحرمة الدخان، خرج شيخ الإسلام "التي برمق" مقتنعا بعد مناظرة مع النابلسى -ليس فقط بأن التدخين حلال بل بأن منكره زنديق وحيوان!

وقال في هذا المعنى..
جهول منكر الدخان أحمق... عديم الذوق بالحيوان ملحق
مليح ما به شيء حرام... ومن أبدى الخلاف فقد تزندق
ألا يا أيها الصوفي ميلًا... إلى الدخان علك أن توفق
ولولا أن في الدخان سرًا... ما فاحت روائحه وعبق
ففي الدخان سر الله يبدو... وشاهده المحقق التي برمق

وهذه الأبيات –للأسف- ملخص ما يظنه البعض من السادة المدخنين، الذين منهم الأخ والزميل والصديق والأب والابن، فإلى متى نبرر لأنفسنا الخطأ؟! مرة أخرى أتوسل لكل من يدخن أن يعاود تفكيره بلحظة صدق في أمانة الجسد التي وهبها الله له.

(أعتذر لكل من ظن نفسه مقصودا بمقالي)...
الجريدة الرسمية