رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

د. هدى الخولي أستاذ الفلسفة: لا نمتلك مشروعًا حقيقيًا للتعليم.. والجامعات تخرج «أميين»

فيتو

مشروع فلسفة الأطفال يستهدف تخريج أجيال قادرة على الوعى والفهم والابتكار
مدرسة أفلاطون كانت لا تقدم الأفكار الفلسفية فحسب ولكن صاغتها أدبيًا

كتاب تجديد الفكر العربي لزكي نجيب محمود.. ثورة فكرية
النموذج السقراطي يجيب على مشكلات التعليم في بلادنا العربية



حاورها : أحمد فوزي سالم
عدسة : حسام عيد


كل فيلسوف يطلق رجليه للريح، حين يسمع الجملة القائلة ــــ دعنا نتناقش قليلًا ــــ هكذا كان يقول جيل دولوز، الفيلسوف والناقد الأدبي والسينمائي الفرنسي، ومع أن كل نقاش ليس صالحا بالضرورة للفلسفة، فإن الأخيرة مهمة جدا للإجابة على كل سؤال تتهرب منه كل المناقشات، سواء كانت على أعلى مستوى رسمي في الدولة، أو حتى في النقاشات العادية، عن الدين والحياة وكل شيء، لذا كان حوارنا مع الدكتورة هدى الخولي، رئيس قسم فلسفة القاهرة، والعضو البارز بالعديد من أهم الجمعيات الفلسفية في العالم، ولحسن الحظ جاء الحوار مقترنا بمناسبة ذكرى رحيل العملاق المصري، وأديب الفلاسفة زكي نجيب محمود، واخترنا نسماته لنبدأ حوارنا مع «الخولي».



◘ في ذكرى رحيله.. ماذا يعني الدكتور زكي نجيب محمود للمصريين؟
زكي نجيب محمود هو الأستاذ بألف لام التعريف لكل من عرفه عن كثب أو من خلال مؤلفاته، هو رجل الوضوح الفكري والوضعية المنطقية عندما تبدأ في قراءة أول سطر في مؤلفاته، تشعر أنك معه في رحلة فكرية يحمل فيها كشافا ضخما يضيء لك كل الجوانب المظلمة، فتجد نفسك في رحاب العلم السهل الممتنع، وعندما تنتهي الرحلة تشعر بحزن ومسئولية، لأنك عرفت أنك لا تعرف، وأنت مسئول لأن هناك الكثير لتتعلمه وتنقل ما تعلمته إلى غيرك بنفس القدر من الوضوح.. وما أصعب ذلك أما بالنسبة للمصريين فهو ربما عند غير المتخصصين والعامة " زكي نجيب محفوظ".

◘ هل وصف أديب الفلاسفة يجوز إطلاقه في مجال الفلسفة أم التسمية مصرية خالصة؟
بالطبع يجوز الوصف، وهو صحيح تماما لوصف الفيلسوف كما يجوز وصف الأديب بالأديب الفيلسوف، وعندي أمثلة كثيرة، أقدم أدباء الفلاسفة كان أفلاطون نفسه، وكانت مدرسته لا تقدم الأفكار الفلسفية فحسب، ولكن صاغتها أدبيًا؛ وهذا أمر ظاهر للعيان عند دراسة محاوراته - في لغتها الأصلية - وكأن أفلاطون يتعمد أن يضع أعماله الفلسفية في قالب فني، أو كأنه قد قام هو نفسه بإخراجها لتعرض مسرحيًا، فهو يقدم محاوراته في صورتين، الأولى مباشرة وتظهر في عرض المناقشات والأفكار الفلسفية كما هي؛ والتي تتضمن أحاديث المشاركين في كلٍ من محاوراته والثانية غير مباشرة، وهي رواية المحاورة بواسطة أحد الرواة ويكون في أغلب الأحيان من المشاركين في المحاورة نفسها، وفي أحيان أخرى يكون غير مشارك، ولكنه قد تلقى الرواية من شخص آخر، فمثلا محاورة المأدبة تندرج تحت هذا النوع، وإلى نفس النوع تنتمي محاورات ثياتيتوس وبارمنيدس والجمهورية والتي يلعب فيها سقراط نفسه دور الراوي.

◘ الدكتور زكى نجيب محمود كان له إنتاج فكرى رائع في موضوعات الفلسفة والمنطق، وأصدر كتبا عن الحياة الفكرية والثقافية منها تجديد الفكر العربي، وثقافتنا في مواجهة العصر ومجتمع جديد أو الكارثة.. برأيك ما الذي تحقق من تنبؤات محمود في عصرنا الحالي؟
دعني أتوقف عند كتاب تجديد الفكر العربي فالحقيقة قدم زكي نجيب محمود بكتابه هذا ثورة فكرية، ولو كان قد نال التقدير المناسب لأحدث تلك التحولات التي دعا إليها الأستاذ الفيلسوف، ووصفها بأنها لا مفر من تحقيقها في انتقال حاسم، كما يقول من فكر قديم إلى فكر جديد، وتنبأ بكارثة في حالة الإهمال والتقصير، وفي هذا الكتاب العظيم يسلك سلوكا ديكارتيا ويطرح التساؤل حول المبادئ نفسها هل هي حقائق أم فروض؟ وذلك قبل أن ينتقل إلى ضرورة إلقاء الضوء على اللغة، والتي يري فيها بداية التجديد، ولا ننسى دعوته التحوّل من حضارة اللفظ إلى حضارة الأداء، ومن اللفظ إلى معناه، وبعد ذلك يقدم نقده للفلسفة العربية، والتي يلاحظ أنها تعاني من ثنائية زائفة: السماء والأرض وثنائية الطبيعة والفن، وفي نفس الوقت تجده في هذا الكتاب العبقري يحفظ للموروث مكانته ودوره- إذا أحسن التعامل معه- في تجديد الحاضر وبناء المستقبل، عموما يمكن القول إن ما تحقق من تنبؤات الأستاذ.. ربما الكارثة!

◘ منذ قرون ماضية والغرب يتمسك بالعلمانية والعقلانية والحداثة في مقابل تثبت الشرق بالتصوف والروحانية والوجدان.. إلى ماذا يشير ذلك برأيك؟
ربما تكمن أزمة ثقافتنا المصرية والعربية في أننا نقلنا قشور الحداثة، والتي تحوي تجارب لم نعشها وصدرنا مشكلات يعاني منها الغرب الآن، ويناقشها فيما يسمي بمرحلة ما بعد الحداثة، ولاحظ أننا لم نخض التجربة أصلا، وأقول إذا إننا نقلنا تلك المشكلات المتمثلة في ثنائيات مثل: الماضي والحاضر، العقل والوجدان، وهو أمر من المنظور الغينيولوجي، يضعنا في مأزق وإشكالية مربكة، بأي حال نحتاج إلى تفكيك الموروث وإعادة بنائه على أساس من الفهم والوعي، ونحتاج بمعنى آخر إلى تشكيل حداثتنا وعلمانيتنا التي لا تتناقض مع هويتنا، وقد يطرح علينا سؤال مهم هنا: ماذا نقصد بالهوية، سنرد ليس دورنا نقل خبرات لم نعش تجاربها ولكن إحداث التجربة من داخلنا وقتها سنتحدث عن حداثة حقيقية.

◘ لماذا لا نرى أساتذة الفلاسفة في دائرة اهتمام الدولة المصرية لعلاج مظاهر العنف والتطرف التي يئن منها المجتمع؟
هذا أمر يسأل عنه رجال الدولة المصرية!


◘ ما ملامح مشروعك عن فلسفة الأطفال؟
في الواقع مشروع الفلسفة للأطفال ربما يرد على مشكلة التعليم في مصر، فلن تستطيع الجامعات أن تخرج شبابا مثقفا ذا عقلية نقدية إذا لم يكن تعلم ذلك منذ طفولته؛ وتيار الفلسفة للأطفال هو أمر ليس بجديد في الغرب فهو تيار تعليمي بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات من القرن الماضي، وأصحاب هذا التيار وأنا معهم نؤمن بأن الفلسفة هي نشاط، وليس مجموعة من النظريات؛ ولابد أن تدخل وتمارس من قبل الأطفال في سن الرابعة إلى الثانية عشرة؛ في برنامج يقوم على الجدل والنقاش؛ والمعلم يشرف ولا يسيطر على هذا النشاط، فهو يلعب دور المايسترو يدير النقاش، مستعينا ببعض الروايات والأساطير، التي يخرج منها الأفكار المجردة عن طريق توجيه أسئلة منظمة للأطفال تتصاعد صعوبتها تدريجيا، ثم يأخذ هذا النشاط شكلا أكثر تنظيما يستغرق فترات زمنية صغيرة، أسابيع ثم تتصاعد المناقشات بشكل تدريجي بطريقة مدروسة مسبقا تساعد الطفل على تنمية قدراته النقدية؛ وتعلمه قوة الملاحظة وفن الإنصات واختيار الكلمات والمفردات المناسبة لإثبات وجهة نظره وتعلمه في نفس الوقت بناء الثقة بينه وبين المشاركين في حلقة النقاش مع احتفاظه الكامل بحق الاختلاف، ووفقا لهذا البرنامج تعالج الفلسفة للأطفال أربع نقاط أساسية: تعلم التأمل، فن الإنصات، استخدام قوانين المنطق في التفكير، أولها عدم التناقض وأخيرا ضرورة العمل في روح الفريق بكل إيجابياته مثل احترام وجهات النظر المختلفة..إلخ، أخيرا وربما أهم ما في تيار الفلسفة للأطفال، هو أنه يخرج من دائرة اهتمامه المعرفة بطريقة التكرار وتكديس المعلومات وعمليات التعليم التقليدية التي تقوم على جمع المعارف بشكل يجعل المتلقي"التلميذ ــ الطالب أو الدارس بصفة عامة "مجرد مخزن عقيم؛ لا يسمح له بالمشاركة أو الرفض أو الإضافة، وما أشد حاجة نظام التعليم المصري إلى ذلك!

◘ لديك مشروع أيضا عن التعليم في مصر من النظرية إلى التطبيق.. ماذا عنه ؟
الحقيقة إني لم اخترع شيئا جديدا، فقط وجدت أن العودة إلى النموذج السقراطي يجيب على مشكلات التعليم في بلادنا العربية، ولو وضعت تعاليم سقراط الإنسان محورا وركيزة، وقدمت لنا دور المعلم النزيه؛ فسقراط لم يدرس المعارف الجاهزة، ولم يتلق أجرا في مقابل تعاليمه؛ ولكن حياته كانت في أرجاء أثينا يتنقل فيها باحثا عن الحقيقة التي كان يؤمن بوجودها داخل الأذهان. كان دوره الوحيد هو إثارة الدهشة وتوليد الحقيقة من عقول الشباب، عن طريق التساؤل الدائم.

النموذج السقراطي يمكن أن يقدم لنا الحل لمشكلة المشكلات التي أدت إلى تراجع العملية التعليمية في مصر ونقصد مشكلة الدروس الخصوصية، فتعاليم سقراط تمثل نموذج المعلم النزيه الذي يجد المتعة في تعليم الأجيال وبدون مقابل كيفية التفكير الصحيح والوصول إلى الحقيقة؛ وفي النقيض نموذج المعلم "التاجر" المعلم الانتهازي، والذي أصبح علمه مصدرا للرزق وسلعة يتزايد سعرها بتزايد الطلب.
وإلى جانب النزاهة، يعلمنا الدرس السقراطي الدور الحقيقي للمعلم وهو شحذ الأذهان وتنمية القدرات وغرس الثقة في نفس طلاب العلم، فالدرس السقراطي يهدف إلى تدريب المتعلم على إمكانية التفكير الصحيح وطرح البدائل واختيار الأفضل منها، كما يعلمنا ديمقراطية التفكير والتعبير عن وجهات النظر بطريقة راقية وفي نفس الوقت يضمن حرية الرأي الآخر.

◘ كيف تخرج الفلسفة من القاعات المغلقة إلى التطبيق على أرض الواقع؟
في الحقيقة هذا هو مشروعي الأساسي بل دوري وهمي الأوحد، لأنه ببساطة مشكلتنا العظمي وأقصد بقاء الفلسفة في قاعات الدرس بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش، وقد تناولت ذلك في المؤتمر الدولي للأكاديمية الفلسفية في باريس عام 2017 في دوبرفينك عاصمة كرواتيا بحثا عن السبب والأصل في بعد النظرية عن التطبيق.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية