رئيس التحرير
عصام كامل

د. علاء رزق الخبير الاقتصادى: الحكومة تطبق الخصخصة بشكل خاطئ ولا توجد معايير واضحة لها

فيتو

  • عرف دولى.. ولكن البيع يؤدى لتسريح العمال

تجارب كثيرة، قديمة وحديثة، أثبتت أن الحكومة لا تقول الصدق، تناور، تختبر، تطلق الشائعات وتترقب ردود الأفعال، ولكنها لا تعترف بالصدق وسيلة للتعامل مع الشعب.

مع استوزار "هشام توفيق" في التشكيلة الحكومية الأخيرة على رأس وزارة قطاع الأعمال العام، صرح الرجل بأن عددًا من التحديات تواجه شركات قطاع الأعمال العام، وأن هناك خطة جاهزة ومحددة الملامح لإعادة الحياة مجددًا لهذا الشركات، من خلال تسديد مديونياتها المتراكمة، أو تحديث هيكلتها بعد أن ظلت عقودًا أسيرة للشللية والمحسوبية. 

وما بين تصريحات الوزير الافتراضية، والواقع الملموس، تختلط الأوراق، وتتوه الحقيقة، وتتراكم الشائعات، لأن جميع المؤشرات، بحسب المهتمين بأمر شركات القطاع العام التي تصل إلى 147 شركة، تؤكد أن نية الحكومة تتجه تدريجيًا إلى التخلص من هذه الشركات، بما يحمله هذا البيع من تداعيات جسيمة على الاقتصاد الوطنى أولًا، ثم على العمال والموظفين الذين لن يجدوا بديلًا عن الانضمام لطوابير البطالة. ما يدعم تلك المؤشرات أيضًا التشريعات التي يمررها مجلس النواب، والتي تخدم عملية البيع بشكل واضح وصريح.

هناك تجارب غربية في بيع الشركات الحكومية، ولكنها مختلفة اختلافًا جذريًا لما يحدث في مصر، هم يبيعون من أجل البناء الحقيقى، وتوفير فرص عمل أكثر، وليس من أجل تسريح العمال وإغلاق سوق العمل. يجب على الحكومة قبل أن تشرع في البيع واستعادة سيناريو الخصخصة القبيح أن تضع خططًا عملية لهذا البيع، وتحدد له أهدافًا واقعية ومفيدة للاقتصاد الوطنى ولملايين العمال والموظفين.."فيتو" تستعرض في هذا الملف القضية من جميع جوانبها وأطرافها..

وفى هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي علاء رزق في حوار لـ"فيتو" إن الحكومة تطبق الخصخصة بشكل خاطئ، مشيرا إلى أن المؤسسات الدولية تمارس ضغوطا على الحكومات من أجل تعظيم القطاع الخاص، مشددا في الوقت نفسه على أن بيع القطاع العام توجه تدريجي بدأ منذ ولاية الرئيس الأسبق مبارك، بدافع من مؤسسات التمويل الخارجي.

"رزق" أكد أن الخصخصة عرف دولي معمول به في عدد من الدول، وليس عيبا في ذاته لكن المشكلة ــ وفقا لرأيه ــ تكمن في أن الدولة لم تضع المعايير والتدابير لتطبيقها بالشكل الأمثل.. وإلى نص الحوار... 



لماذا يخشى البعض من طرح شركات قطاع الأعمال في البورصة؟
أتصور أن طرح الشركات في البوصة مجرد خطوة في سلسلة خطوات بدأت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، هدفها تصفية القطاع العام، وتمت تحت شعارات براقة منها التحول نحو الاقتصاد الحر المبني على سيطرة الاقتصاد الرأسمالي، وهو ما يؤدي في النهاية إلى سيطرة المؤسسات الدولية على مقاليد الأمور الاقتصادية، وهذا التفكير جاء نتيجة عدم توجه الدولة نحو الأنشطة الاقتصادية، وعدم السيطرة على إدارة تلك المؤسسات.

ما توابع اتخاذ قرار بيع القطاع العام؟
سينتج عن قرار بيع القطاع العام تسريح أكثر من 27 مليون موظف، فالدولة يقع على عاتقها دور في خلق فرص عمل مباشرة أو غير مباشرة لمواطنيها، وعندما تصبح الدولة غير قادرة على إدارة وتدشين وظائف لمواطنيها، فإن ذلك يفقدها صفة السلام، بالإضافة إلى أن الدولة ستعاني من عدم القدرة على السيطرة على الأسعار، كما حدث عند بيع مصانع الحديد في حلوان وحديد الدخيلة، وحقق رجال الأعمال من وراء ذلك أرباحا بالملايين، وخسرت الدولة إيرادات بالمليارات، كما جعلوا من البورصة أداة للترويج لأنفسهم، وليس للكشف عن طبيعة الأداء الاقتصادي، وتم القضاء على الكفاءات وأصحاب الخبرات الاقتصادية والاستعانة بشباب دون الخبرة.

كيف تنظر لفكرة بيع شركات القطاع العام؟
فكرة هيمنة الرأسمالية على الاقتصاد توجه عالمي وليس في مصر فقط، الخصخصة بصفة عامة ليست عيبا ولكن مصر طبقتها بطريقة خاطئة، فالطبيعي أن يتم بيع الشركات الخاسرة التي لا تستطيع الدولة انتشالها من خسائرها، وهذا لم يحدث، فقد تم بيع الشركات الرابحة التي تدر للدولة أرباحا تقدر بالمليارات، في حين تم ترك شركات خاسرة مازالت تستنزف موارد الدولة دون جدوى.

ما سبب التوجه العالمي نحو الخصخصة؟
مؤسسات التمويل الخارجية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هدفها الأساسي وضع مجموعة من القواعد والأولويات لتكون الدولة غير مهيمنة على اقتصادها، فهناك توجه تدريجي منذ عام 1890 نحو بيع القطاع العام، فقد تم تعيين عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال ليكون دوره الرئيسي بيع القطاع، والدليل على ذلك تعيينه بعد ذلك رئيسا للوزراء، وتولي مدير أعماله الوزارة، وفي ذلك الوقت زادت قضايا النصب والفساد والرشاوي والسرقات، مما يدل على أنه كان هناك عبث كبير في الأمر منذ البداية.

ما سبب الفشل في إدارة مؤسسات الدولة واتجاهها للخصخصة؟ وما الشكل الأمثل للتعامل معها؟
القاهرة تحتل المركز 136 عالميا في جودة الشركات، وهو ما يعكس فشل الدولة في اختيار قيادتها ومجالس إدارتها في القطاع العام، المشكلة تكمن في مجالس الإدارات وليس في ملكية الشركة، حيث إن هناك مجالس إدارات جاءت بالواسطة والمحسوبية والولاء وأهل الثقة، وغابت عنها الإدارة الاحترافية التي نأملها لإدارة الأصول الخاصة بالشركات، وهذا يكفي لسقوط أي دولة في العالم، فلابد من اختيار رؤساء شركات مدربين، وعلي قدر كبير من الوعي والكفاءة، فمربط الفرس هو اختيار مجلس إدارة كفء.

أما التعامل الأمثل، فلابد من تخصيص لجنة لتحديد الشركات الخاسرة، وخاصة أن هناك شركات تستطيع تحقيق أرباح بتغيير مجلس إدارتها، فلابد من عدم الاستسهال في البيع، والدراسة الجيدة لأمور تلك الشركات، وبيع الخاسر منها وترك الناجح الذي يقدم أرباحا جيدة للدولة، فالخصخصة أمر متعارف عليه ولكن إذا تم تطبيقها بالطريقة المثلى.

ما نتائج التجارب السابقة لمصر في الخصخصة؟
ما لا يعرفه الكثيرون أن مصر ليس لديها شركات قطاع عام، ولكن لديها شركات قطاع أعمال، حيث إنها لا تملك شركات خاصة بها سوى "المقاولين"، وباقي الشركات شريكة فيها بنسب مع رجال الأعمال، ليس لديها السيطرة الكاملة عليها، فعلي سبيل المثال الشركات القابضة غير مملوكة كاملة للحكومة، وبالتالي الدولة ليس بها شركات قطاع عام إنما هي قطاع أعمال، وما يتم التحدث عنه الآن هو بيع نسب الدولة في شركات معينة تعمل شريكة فيها وليس ملكية خاصة بها.

هل هناك تجارب دولية مع الخصخصة شبيهة لمصر؟
لا بالطبع، جنوب أفريقيا والبرازيل والصين طبقت الفكرة بشكل حقق لها مكاسب جمة، حيث فكرت وقررت تطبيق مبدأ "اختيار الرجل المناسب في الوقت المناسب"، فهناك دول اتجهت للخصخصة وحققت منها أرباحا، بصفة عامة كل دولة لها ظروفها، ولكن ما أستطيع قوله إنه تم تطبيق آليات بيع القطاع العام في مصر بطريقة خطأ.

بعض المسئولين يبررون الخصخصة بأن التجربة ستكون مختلفة عن التجارب السابقة، لأنه سيتم طرح الأسهم للاكتتاب العام ولن يتم بيعها لمستثمر إستراتيجي، فما الفرق بين الاثنتين؟
المستثمر الإستراتيجي هو شخص بعينه يتم اختياره وبيع حصص الشركات له نظرا لوجود علاقات سياسية ومصالح بينه وبين الدولة والمسئولين، كما حدث عند بيع مجموعة شركات عمر أفندي، وفي الفترة الأخيرة تم التغاضي عن المستثمر الإستراتيجي والتوجه إلى طرح الشركات للاكتتاب العام للتخلص من المسألة القانونية، أما طرح الأسهم للاكتتاب العام فيقصد به الإعلان عن بيع حصص الشركات، ثم يتقدم أكثر من مستثمر بطلب شراء وتخصيص الدولة مستثمرين بأعينهم وقبول طلبهم، فالاكتتاب العام ما هو إلا استثمار إستراتيجي بقوة القانون، وخاصة أن اختيار المستثمر يتم وفق معايير سياسية أيضا، وليس وفق معايير موضوعية وشفافية.

ما الحل من وجهة نظرك؟
ضبط إيقاع الأنشطة الاقتصادية ولكن دون تدخل كامل من الدولة، حتى لا تتحول لمجتمع اشتراكي، فأمريكا على سبيل المثال تدخلت لإنقاذ اقتصادها بعد تفجير 11 سبتمبر، وضربت مثلا جيدا لتعامل الحكومات مع الدول في الأزمات لإنقاذ اقتصادها من التدهور.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...
الجريدة الرسمية