رئيس التحرير
عصام كامل

د. يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسى: الظروف الاقتصادية وراء المذابح الأسرية المتكررة بمصر

فيتو



  • المصريون يعيشون في قلق بسبب عدم تحقيق طموحاتهم "البسيطة" بعد ثورتين

الأزمات الاقتصادية المتلاحقة والارتفاع الجنوني للأسعار، ومستوى معيشة المواطن المصري الذي أصبح يتناسب عكسيا مع وضعه الاقتصادي، فكلما زادت الأسعار حوله سقط درجة من سلم الطبقة المجتمعية الوسطى، لم يؤثرا فقط عليه ماديا، لكنهما تركا بصماتهما النفسية والعقلية على سلوكه اليومي، فيسرع من وتيرة العنف وحالة الضيق والخوف من القادم التي اجتاحت المجتمع المصري.. هذا ما أشار إليه أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة الدكتور يسري عبد المحسن خلال حواره لـ«فيتو»، الذي أكد خلاله أن الآمال التي علقها المواطن المصري على ثورة الخامس والعشرين من يناير من تحقيق للعدالة الاجتماعية والارتقاء بمستوى معيشة الفرد، أدت إلى إصابته بحالة من الإحباط والتخبط، تعززت بالعزوف السياسي وحالة "انعدام الثقة" التي أصابت الحالة السياسية العامة والمنتمين إليها ما أدى إلى غياب الشعور بـ"الإحتواء السياسي".. وإلى نص الحوار.


بداية قراءتك للحالة النفسية والسلوكية للمواطن المصري خلال الفترة الحالية؟
= المواطن المصري الآن في مرحلة فارقة، وأتصور أنه في حالة من الارتباك من الناحية النفسية، فضلا عن حالات الترقب والحذر اللذين يشوبان سلوكه الثقافي والاجتماعي والنفسي بشكل عام، وما زال الطريق أمامه غامضا ومشوها منذ خروجه من أزمة ثورة الخامس والعشرين من يناير، ما جعله غير قادر أو ليس لديه الاستعداد للدخول في أي عراك مع الحكومة أو صناع القرار، لإحداث التغيير الذي يخرجه من هذه الأزمة، فيكتفي بالانتظار في ظل هذا الوضع المتردي حتى تصبح الأوضاع أكثر اطمئنانا واستقرارا عل ذلك يحدث خلال الأيام أو السنوات القادمة، والشعب المصري بطبعه صبور ومتحمل، وتعود على مثل هذه التقلبات من قبل، لكن الأهم من ذلك أن تشهد الأمور بعض التحسن ولا تظل حبيسة الوضع الحالي فحسب.

كيف يؤثر مستوى المواطن المصري الاجتماعي أو المادي على طبيعة المرض النفسي أو الانحراف السلوكي الذي يمكن أن يصيبه؟
العنف بكل طبقاته متواجد طوال الوقت في المجتمع المصري، ولكنه طغى واستشرى وظهر على سطح المجتمع المصري بسبب الأزمات والضربات الاقتصادية المتتالية التي يتعرض لها المواطن المصري خلال الفترة الحالية، فهي تسبب أزمة في حالته النفسية وأعصابه، ما يجعل الأمر يتطور إلى التأثير الكبير على حالته ما يجعل لديه اندفاعات عدوانية وشعور بالضيق وسرعة ردود الأفعال الغاضبة دون وضع عواقبها، وتوقع ما ستؤدي إليه في الحسبان. أيضا الإحساس بالضيق والاختناق وعدم الارتياح والإحساس المتكرر بالخوف من المستقبل والضياع، وكل هذا بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية. بمعنى إنه أنا لو رب أسرة طبيعي وفوجئت أنني لم أستطع تلبية متطلبات بيتي وأسرتي، بالتأكيد سأصاب بالمشاعر العامة السلبية التي أصبحت منتشرة في المجتمع نتيجة للضغوط الحياتية.

إذا تطرقنا للعامل السياسي والوضع الراهن.. هل له دور هو الآخر في الضغط نفسيا على المواطن المصري؟
بالتأكيد أصبح هناك عزوف تام عن الحياة السياسية، هناك رجال سياسة وصانعو قرار وأحداث سياسية من أحزاب متنوعة، جميعهم في حالة "انعدام وزن" وهذا يتمثل في أنهم أصبحوا منشقين على أنفسهم، ولم يصبح لديهم طريق سياسي واجتماعي ممهد، حيث فقدوا القدرة على التواصل مع صناع القرار أو أفراد المجتمع، وشعروا بانعدام الاحتواء المجتمعي والسياسي، فمن ثم لم يستطيعوا أن يمهدوا الطريق للأفراد ليندمجوا معهم ويمارسوا حقهم السياسي الطبيعي.

برأيك من المتسبب في ذلك؟
بالطبع الحكومة، لأنها لفظتهم ولم تحتويهم حتى وصلوا إلى حالة من التوهان والضياع والإحساس بعدم جدوى المشاركة السياسية. وبالتأكيد مادامت هي المتسببة، إذن يمكنها أن تخلق منهم قوى فاعلة، ويشاركوا في صناعة القرار، ولا يمكن للمواطن المصري أن ينخرط في العمل الحزبي السياسي، إلا إذا وجد أن هناك فائدة وحياة سياسية آمنة بل وتبني لهذه الحياة من جهة الدولة مما "يشرعن" وجود هذه الممارسات، فتكاتف الأزمات الاقتصادية مع الوضع السياسي ربما وصلا بالمواطن المصري لما هو عليه الآن.

هذا يأخذنا لنقطة أخرى.. وهي ظاهرة العنف المتكرر في الشوارع والبيوت المصرية وحتى قتل الآباء لأبنائهم.. كيف تفسر هذا الأمر؟
لا يمكننا أن نطلق عليها حتى هذه اللحظة لفظة "ظاهرة" بالمعنى الحرفي للكلمة، لأنها رغم تكرار تداولها إلا أنها تظل حوادث فردية أحدثت حالة من الفزع في المجتمع، بسبب وجود حالات وخلل مرضي بين بعض أفراد المجتمع، لكنها أصبحت أكثر دموية وتتخذ أسبابا واهية للقيام بها، فنجد هذا يقتل أسرته كاملا بسبب شكه في سلوك زوجته أو تعدد الزوجات والغيرة بينهن أو الضائقة المالية والسلوك غير القويم، أصبح الخوف والتردد يسيطران على الفرد، اتسمت جميعها بالبشاعة نماذج صارخة سرعان ما تنشر الرعب والفزع بين الأفراد نتيجة للتطور التكنولوجي الحالي ومواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى نشر حالة التوتر.

وأين يكمن الحل للحد من تلك الظاهرة؟
أعتقد أن الحل في أن يُسل سيف القانون وسرعة إنجاز المحاكمات وقتل ظاهرة "العدالة البطيئة" والأهم من ذلك الإعلان عن العقاب الرادع بصورة قوية وواضحة للجميع، حتى تكون العبرة وحتى يكون هناك عامل الردع الشديد لمن تسول له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم، علما بأن المرض النفسي أو اللوثة العقلية التي تصيب هؤلاء الجناة أو من يقتلون أبناءهم لا تشفع لهم أو تقلل من العقوبة التي يجب أن ينالوها، ويجب أن يكون العقاب قاسيا جدا، تبثه كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

تحدثت عن أن ثورة يناير تركت أثرها الكبير في نفوس المواطنين.. كيف يمكن للثورة بشكل عام أن تؤثر على سلوك المواطن وحالته النفسية؟
على حسب الثورة، هل الثورة حققت ما قامت من أجله، هل نجحت في تحقيق أهدافها أم اخفقت، أم نجحت في شقها الأول فقط كما حدث مع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، كيفية جني ثمار هذه الثورة، والتي يكون أهمها تحقيق العدالة والحرية والتنمية الاقتصادية، لكن إذا ظل المواطن يعيش في أزمات مجتمعية متلاحقة رغم أن الثورة تراءى له أنها نجحت نوعا ما، وفي الوقت ذاته يجد وضعه المادي والمجتمعي والثقافي ما زال مترديا، فهذا يعني أنها لم تخدم المجتمع، لذلك نحن نريد التعجيل بجني ثمار الثورة حتى لا يظل المواطن حبيس حالة الفشل والإحباط، الجميع يريد ارتفاع مستوى معيشته، وسهولة ويسر الحياة وهذا لن يتحقق إلا بجني ثمار الثورة التي قام بها أملا في التغيير.

أخيرا مقترحاتك للخروج من هذه الأزمة النفسية التي وصل إليها المواطن المصري؟
لابد من توفير الشفافية المطلقة بين المواطن وصانعي القرارات التي تهمه من حكومة وسلطة وشخصيات حزبية، وسرعة تجاوز الأزمات والابتعاد عن البحث عن المسكنات والحلول المؤقتة، وخصوصا الأزمات الاقتصادية من ارتفاع متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وسكن ومدارس ومصروفات للتعليم، وغيرها من سبل العيش وأبسط حقوق المواطن. هذا وحده ما يمكن أن يقوم السلوك المصري ويخرج به من دائرة الخوف من المستقبل المظلم والترقب والتوهان ما يؤدي لنشر حالة الفزع والرعب وغياب الأمن والأمان بين الأفراد. إضافة إلى ذلك تسريع وتحديث عوامل الردع القانونية في معاقبة الجناة أو المنحرفين داخل المجتمع.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"
الجريدة الرسمية