رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: الحلال والحرام بـين الدين والثـقافة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هناك العديد من المفاهيم التي جرت على ألسنة العامة، جريانًا أفضى بها إلى التبسيط المخل، وجرى الخلط بينها خلطًا يبعدها عن معانيها، في واقع الحياة العملية التطبيقية، وذلك بمنأى عن العلماء والمتخصصين، الذين يعملون وفقًا لقواعد العمل الأكاديمي المكتبي، ولذا دائمًا ما نجد بونًا واسعاَ بين العمل الأكاديمي، وما يجري تطبيقيًا في واقع الحياة.


ومن هذه المفاهيم البسيطة التي تختلط في أذهان بعض الأكاديميين، اختلاط مفهوم الحلال والحرام في الإسلام مع مفهوم الثقافة كما وعته عقولهم.

فالحلال والحرام في الإسلام ينقسمان إلى شطرين، الأول وهو شطر الحلال، وتحديده يتمثل في أن كل شيء حلال من حيث الأصل، ومن حيث القاعدة الفاعلة فيه، إعمالًا لقاعدة أن كل شيء مباح، وما يرد على القاعدة والأصل سوي الاستثناء، والاستثناء لا يكون إلا بنص، وهو المحرم أو الحرام الذي قضى الله. وعلي ذلك يكون الحرام محددًا للسلوك الإنساني في إطار ما هو مفتوح من مباحات مطلقة، باعتبار أن كل شيء مباح إلا ما حرم بنص.
فالحلال والحرام إذن، هو محددات ومعايير للعقل والسلوك في نظرة الفرد لنفسه والجماعة، وفي نظرة الجماعة لنفسها، وفي نظرتها للجماعات الأخرى.
فإذا كان مفهوم الثقافة لا يخرج في خلاصته، كما أورده معظم علماء الإجتماعيات، عن القول بأن الثقافة عبارة عن تلك المحددات والمعايير المشكلة لنظام العقل والسلوك في مجتمع ما، أو لدى جماعة ما، والتي تحدد نظرة الفرد والجماعة، لنفسها والآخرين، والكون من حولها، وبالتالي طبيعة السلوك.
فالثقافة إذن، هي محددات ومعايير للعقل والسلوك.

وهنا يلتقي المفهومان، مفهوم الثقافة ومفهوم الحلال والحرام، ثم يفترقان، ونقطة الافتراق تتمثل في أي منهما أعم وأشمل من الآخر، لأن في العموم احتواء وتضمين، فإذا كان الحلال والحرام أعم وأشمل فإنه يضوي تحت ظلاله مفهوم الثقافة، وهذا يترتب عليه نتائج فارقة في النظرة والتوجه، تطبيقًا لقاعدة أن ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء الذي يندرج تحت هذا الكل.
وكذا الأمر بالنسبة لمفهوم الثقافة إذا كان هو الأعم والأشمل.

من قال إن مفهوم الحلال والحرام أعم وأشمل يؤمن أنه ثابت المصدر، لأنه من الله، وغير قابل للتعديل، أو التطوير، فالحرام يبقي حرامًا، وليس واردًا تطوره مع تطور البشرية إلى حلال، إلى يوم القيامة، وأن ما يطرأ على مفهوم الثقافة من تغيرات وتطورات قد يخضع للحِل والحُرْمة بحسب الأحوال.
والمفترض أن ذلك من الأمور الطبيعية طالما كنا مؤمنين أن هناك إله للكون يدبر أمره، ويدير دفته، على نحو متقن وحكيم.
أما من قال بعمومية وشمول مفهوم الثقافة، وأن الحلال والحرام قضية جزئية منه، فإنه يقول بخضوع هذه القضية لهذا المفهوم، وهذا الخضوع يستتبع بالضرورة خضوع الحِل والحرمة لكافة المتغيرات الثقافية الحادثة في تاريخ البشرية وفقًا لإرادة البشر، وكأن ما يجري في الكون يجري بمعزل عن الله، وأن قضية الإباحة والتحريم ما هي إلا "ثقافة اتفقت عليها المجموعات البشرية، وفرض قواعدها الطرف الأقوي فيها، الرجل، وبالطبع تأتي القواعد لتتناسب مع أطماع الطرف الأقوى، أطماعه من قبيل فرض الهيمنة، التفوق الاقتصادي، الاستئثار بذات بشرية، المرأة، تحت دعاوي متغيرة ".
 دكتورة "أماني فؤاد"، مقال لست بعورة، جريدة المصري اليوم. والتي أضافت في نفس المقال: "ولذا جاءت الأديان تحمل مايحقق للثقافة الذكورية تلك المطامع"، وكأن الأديان قد انحازت للرجل على حساب المرأة، وتتساءل الدكتورة أماني فؤاد في نفس المقال عن الأسباب التي دعت الدين إلى الاهتمام بالتدين الشكلي دون الجوهر، وكذا الأسباب التي حالت دون الإنسان وتطوير الدين المفروض عليه.

ونتيجة الخطأ في قاعدة الإنطلاق نجد التنويريين، العلمانيين، قد وصلوا إلى نتائج موحشة موغلة في الإغتراب، أفضت بهم في النهاية إلى الرقص على السلم، والاحتراف فيه. فهم يتعاملون مع الدين وقضية الحلال والحرام باعتباره كلامًا عاديًا، لا قداسة فيه ولا له، وبالتالي يجب الاجتهاد معه، وليس فيه.
ومن هنا نجدهم قد وضعوا الثقافة في حالة عداء مع الدين، وخصومة مع المتدينين، واستهلكنا من وقتنا وتفكيرنا وعقولنا في أمور، ما كان يجب لها أن تكون.
فطالما أن الله موجود، فهناك منهج حياة بالضرورة، وسيبقي الحلال حلالًا، والحرام حرامًا، مهما كان الموروث الثقافي الكائن.
حــســـــــــن زايــــــــــــد

الجريدة الرسمية