رئيس التحرير
عصام كامل

آفة بلدنا


ابتسمت ابتسامة يأس وسخرية وإحباط وأنا أقرأ خبرا عن قرار أحد المحافظين بحظر ذبح الأضاحي في الشوارع، وحظر نقل جلودها، والحقيقة أننا كل يوم تخرج علينا تصريحات نارية من المحافظين بحظر التكاتك، وحظر اقتناء الكلاب في السكن الخاص، وحظر وضع متاريس أمام البيوت لركن السيارات، وحظر رش المياه في الشوارع، وحظر إلقاء الزبالة في غير أماكنها المخصصة الشوارع..


وحظر وقوف بلطجية الأرصفة وابتزاز أصحاب السيارات، وحظر الحديث في الموبايل أثناء قيادة السيارات، وحظر استخدام الزجاج الفاميه أو المخفي في السيارات، وحظر سير السيارات دون لوحات معدنية، وحظر عرض سلع في المحال والسوبر ماركت غير مدون عليها السعر وإلزام التجار بالتسعيرة الجبرية وغيرها من قرارات الحظر الكثيرة التي نقرأ عنها فقط كل يوم.

ورغم كل هذه القرارات "الحظرية" العنترية التي يصدرها المسئولون كل يوم، أقول بكل ثقة: ستمتلئ شوارع مصر في أيام العيد بدماء الأضاحي، وستمرح السيارات نصف النقل بالجلود في كل الحارات والأزقة، وسيظل بوابو العمارات يغسلون السيارات بخراطيم المياه ويغرقون الشوارع صباح كل يوم، وما زالت شوارعنا تغرق في بحور من الزبالة التي تزكم الأنوف وتؤذي الأبصار..

وما زالت براميل الزبالة المتحركة المسماة بـ"التكاتك" تملأ شوارع البلد وتخنقها وتزيد آلامها وأوجاعها المرورية، وما زالت الكلاب تنبح ليل نهار وتؤذي المئات دون أن نجد جهة بالدولة نشكو لها، وما زال بلطجية الأرصفة يمارسون الابتزاز على كل من يركن سيارته في كل شارع وحارة في أرض مصر، وسيستمر 50% من قائدي السيارات يتحدثون أثناء قيادتهم في الموبايل دون رادع، وستتنامى ظاهرة السيارات ذات الزجاج المخفي، وستظل المحال غير ملتزمة بوضع التسعيرة الجبرية.

في الحي الذي أسكن فيه الذي تحول من كمبوند إلى عشوائيات، تأتي على فترات متباعدة حملات من الشرطة والحي مصحوبة بكاميرات الفضائيات لمصادرة التكاتك وإزالة المخالفات والإشغالات، وبعد دقائق من انصرافها يعود كل شيء كما كان، مع أن الأصل أن توجد هذه الحملات وتتمركز بشكل دائم، وهذه هي آفة بلدنا، لا شيء ملموس يتم إنجازه في الأمن المجتمعي تحديدا على الرغم من أنه يشكل الملف الأهم في كل دول العالم المتحضر.

بلدنا بكل أسف ليس فيها أكثر من "قرارات الحظر" التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتِبَتْ به.. فأي قرار يحتاج إلى جهة معنية تتولى تنفيذه وأعماله وتفعيله.

سيادة المسئول.. أنت جالس في مكتبك المكيف بين 4 حوائط تصدر قرارات ليس لتنفيذها وجود إلا في خيالك الواسع فقط، حتى إذا نزلت مرة فأنت تهدف إلى الشو الإعلامي لا أكثر، وتعلم أن كل شيء يعود كما كان بل وأسوأ فور مغادرتك المكان الذي تقوم فيه بحملة أو بجولة، فأنت تصدر ما تريده من قرارات والناس تفعل ما تريده لأنهم آمنوا العقاب فأساءوا الأدب..

ثم "أين هي السلطة التي ستُطبق قرارات الحظر وتفرض غرامة على المخالفين".

بلدنا حتى تنتفي عنها شبهة "شبه الدولة" تحتاج إلى سلطة تنهي الفوضى العارمة التي ما زلنا نعيش فيها منذ 7 سنوات لا إلى قرارات عنترية.

----
بمناسبة الحديث عن تدني توزيع الصحف الورقية إلى أرقام فاضحة ومخجلة، هل أصبحت معظم عناوين صحافتنا.. "مش عارف".. "مش راضي".. "مش مبسوط"، بعد أن كانت في الماضي.. لا أعرف.. لست راضيًا.. لست سعيدًا.

لكن.. من ابتدعوا هذه البدعة وأولهم دستور صديقنا إبراهيم عيسى التي كانت أول صحيفة تنقل الصحافة المكتوبة من لغة "الكرافتة والبدلة" إلى لغة "المصطبة".. ومن يكتبون هذه العناوين العامية ويسحقون اللغة العربية الفصحى بأحذيتهم لم يقولوا لنا هل هو مِشْ
بـ "دود" ولًا "من غير دود"؟
الجريدة الرسمية