رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مراكز الأبحاث علم ولا بيزنس؟.. أعدادها بالمئات.. والدولة تتجاهل دراساتها في صناعة القرارات.. «الأهرام» يحافظ على مكانته الدولية.. «الإقليمي المصري» الأفضل عربيا.. وباحثون يكشفون أب

فيتو


وفقا لتعريف مؤسسة «راند» الأمريكية غير الربحية الشهيرة للأبحاث فإن مراكز الدراسات البحثية، هي «تلك الجماعات أو المعاهد المنظمة بهدف إجراء بحوث مركزة ومكثفة، من خلال تقديم الحلول والمقترحات للمشكلات بصورة عامة في المجالات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والإستراتيجية، وما يتعلق بـالأمن القومي والتسليح».


وفي مصر هناك قائمة طويلة من مراكز الأبحاث، بعضها له نشاط واضح وملحوظ في كافة الملفات، وأخرى يستخدمها البعض لتحقيق ثروات مالية، من التبرعات التي يحصلون عليها بدعوى إنفاقها على دراسة ظواهر اجتماعية وسياسية.

ورغم قائمة الاتهامات الطويلة للمراكز البحثية إلا أن هناك مراكز نجحت في تحقيق إنجازات علمية وصنفت ضمن الأفضل عربيا ومحليا، ومن بينها المركز الإقليمي المصري للدراسات الإستراتيجية الذي تأسس في عام 2012 لمتابعة التحولات والتطورات الإقليمية ذات الطبيعة الإستراتيجية على مستوى الشرق الأوسط، والذي حصل مؤخرا على المركز الأول عربيا والـ 18 عالميا ضمن فئة المراكز المهتمة بالدراسات الأمنية والدفاعية، كما حصل على المركز الأول على مستوى الشرق أوسطي ضمن المراكز الأفضل استخداما وتفاعلا مع متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي.

مراكز الأهرام
مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، التابع لمؤسسة الأهرام العريقة، واحد من المراكز البحثية التي تحظى بثقة واهتمام كافة المتابعين للوسط البحثي، وحافظ المركز على مكانته محتلا المركز الثاني على مستوى الشرق الأوسط ضمن قائمة تضم 258 مركزا بالمنطقة العربية.

مكانة الأهرام للدراسات الإستراتيجية احتلها ضمن قائمة طويلة تضم مراكز بحثية في إسرائيل وتركيا تتخطى فيهما الموازنة المخصصة للبحث العلمي أكثر من 20 مليار دولار سنويا، حيث كانت إسرائيل هي أولى دول الشرق الأوسط التي عززت من قيم الاستفادة من المراكز البحثية في صناعة القرارات بمختلف المجالات المجتمعية، لتنتقل بعد ذلك إلى المجتمعات العربية بالقيم ذاتها، لكنها ظلت على مدار عشرات السنين، مجرد صورة أو شكلا مجردًا، تحاول به الحكومات العربية السير على خطى السياسات الدولية، عدا الرئيس جمال عبد الناصر الذي تأسس في عهده مركز الأهرام للدراسات، فأولى اهتماما بكافة الأبحاث التي تخرج منه بشأن قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي، ليتطور المركز بعد ذلك وتتشعب مهامه لتشمل كافة القضايا السياسية الإقليمية والدولية.

مؤشرات رسمية مصدرها تقرير جامعة بنسلفانيا السنوي لعام 2017، والمعنى بتصنيف مراكز الأبحاث والدراسات المختلفة على مستوى العالم، تشير إلى أن مراكز الدراسات البحثية المصرية، ما بين السياسي والإستراتيجي والأمني والمؤسسات الإنمائية، ما زال «يصارع من أجل البقاء على السطح»؛ فأصبح لكل وزارة مصرية مركز بحثي تابع لها، من المفترض أن تخول له مهام إجراء البحوث الشاملة وعمليات الحصر ووضع حلول وآليات لمواجهة المشكلات التي تواجه كل مؤسسة وسبل الخروج من الأزمات بأقل الخسائر، عن طريق وضع عدد من البدائل أمام صانع القرار، ليصبح المركز البحثي أو مركز الدراسات التابع للمؤسسة أو الوزارة، هو الركيزة الأساسية وموطن قوة الدولة في مواجهة الأزمات المتلاحقة.

عشرات المراكز
مصر صاحبة التاريخ والحضارة والتي تعد الدولة العربية ذات الثقل السياسي والاقتصادي الكبير سواء على المستوى الإقليمي والدولي، تضم عشرات المراكز البحثية، ما بين الخاصة الممولة من دول أو حكومات أو جماعات خارجية، والحكومية التي تمولها الدولة؛ فالمراكز البحثية المصرية تنقسم إلى أربع شرائح على النحو التالي: مراكز رسمية كمركز معلومات مجلس الوزراء والمركز القومي للبحوث الجنائية، ومراكز أبحاث ذات الطابع الخاص، وثالث يرتبط بالعمل الإقليمي وهو المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، ورابع مراكز الأبحاث غير معروفة الهوية والتي لا يعلم أحد مصادر تمويلها بشكل واضح ومحدد نظرا لتعدد الجهات التي تقدم لها الدعم المادي.

ضمن هذه المراكز يوجد نحو 35 مركزا بحثيا في المجالات الأمنية والصحية والسياسية والاقتصادية ومراكز دعم واتخاذ القرارات، ما زالت تحتل المراتب الأولى وفقا للتصنيفات العالمية، وعلى رأسها المركز القومي للبحوث الجنائية، ومركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، مركز بصيرة، والمركز الإقليمي لدراسات الشرق الأوسط، والمركز المصري للبحوث الأمنية، فضلا عن المراكز التي تزخر بها الجامعات المصرية، وأهمها مراكز البحوث الأفريقية كمركز البحوث الأفريقية في جامعة القاهرة، ومركز الأهرام للدراسات الأفريقية، مركز دراسات حوض النيل ومعهد البحوث الأفريقية والمراكز التابعة لوزارة الزراعة.

ورغم التصريحات الرسمية التي تخرج من كبار المسئولين بالدولة وتؤكد احترام دورها وأبحاثها، إلا أن الواقع يشير إلى تجاهل متعمد من أغلب الوزارات إلى ما توصلت إليه نتائج دراسات المراكز البحثية.

المهام والتخصصات
تتعدد وتتشعب مهام وتخصصات المراكز البحثية ليس في مصر ولكن في العالم ككل، بأنها اللاعب الأساسي في عملية اتخاذ القرارات ورسم السياسات العامة للدولة، من خلال البحوث العلمية والتطبيقية التي توليها الدولة اهتماما كبيرا لتحقيق عملية التنمية الشاملة، من خلال تحليل الواقع المجتمعي وتقديم رؤى مستقبلية للنهوض بواقع أفضل أو حتى تطويره، وفقا لدراسات وإستراتيجيات أكاديمية دقيقة وليس مجرد ورقات بحثية تكدس فوق أرفف مكتبات الكليات والمعاهد.. ما دفع البعض بتسمية هذه المراكز بـ "خزانات التفكير"، لأنها من المفترض أن تبحث عن الحقائق ووضعها في إطارها العلمي.

أيضا ضمن مهام وتخصصات المراكز البحثية، تحليل ومناقشة المتغيرات التي تطرأ على الدولة سواء محليا أو إقليميا أو دوليا، من خلال عقد المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية، التي تتناول الموضوعات محل الأزمة، والتأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لها محليا ودوليا. ومن أهم أدوار تلك المراكز أن تشكل حلقة الوصل بين مصدر المعلومة وصانع القرار والفئة المستفيدة منها أو الرأي العام، من خلال تقييم البرامج والمشروعات التي تقوم الدولة بإنشائها، والكشف عن أولويات التنمية في المجتمع ما المشروعات التي تحتاج الدولة إليها بشكل سريع، من خلال حصر الموارد والإمكانات المتاحة، وذلك بأعلى درجات الحيادية والشفافية مما يحقق الصالح العام للدول ومواطنيها، ما يساهم في نشر ثقافة جديدة داخل المجتمع تقوم على أساس التواصل المباشر و"الارتياح" بين صانعي القرارات والسياسات المجتمعية وأفراد هذا المجتمع.

الأهداف
ويتفق معه الباحث السياسي أحمد عطا قائلا: "من المفترض أن يصبح لكل مركز أهداف ونقاط محددة وجهة ممولة تؤمن للباحث حياة كريمة لعمل بحث جيد، وكل مركز يكون له خطة فلا يكون هناك تداخل، أي يجب إنشاء مراكز متخصصة، تستطيع الإنفاق على الباحثين، وتفتح نقاط اتصال مع الحكومة حتى تسهل نقل أبحاثها إليها".

وأوضح «عطا» أن الأزمة الحقيقية التي تواجهها المراكز البحثية المصرية، والتي من المفترض أنها تمثل البوصلة والحضانة المعلوماتية التي تخلق للدولة مسارات اتخاذ القرارات، سواء كان أمنيا أو اقتصاديا، تعود إلى اعتماد الدولة بشكل كبير على المعلومات الصادرة عن الأجهزة الأمنية وليس مراكز الأبحاث، الأمر الذي يعده "عطا" خطأ كبيرا لأنه هناك فارق بين أن تحصل الدولة على المعلومة وأن يتم توظيفها وفقا لآراء وسياسات بحثية دقيقة، مضيفا: "المراكز دورها الحقيقي تقديم كافة الاستشارات، مثلما هو الحال في أمريكا التي بها 6000 مركز بحثي، كل مركز له تخصصه الذي يجعل صانع القرار يتخذ قراره داخل الإدارة الأمريكية وفقا لرؤى بحثية مختلفة".

من جانبه يرى الدكتور طارق فهمي مدير وحدة الدراسات السياسية بمركز دراسات الشرق الأوسط، أن الأزمة الحقيقية تكمن في ضعف التمويل؛ فالدولة وإن كانت وفقا لفهمي، تؤمن بفلسفة مراكز الأبحاث، فإذا تم التمويل بشكل إيجابي ستحدث الطفرة المرجوة، كما يحدث في الولايات المتحدة التي تعد من المراكز البحثية بها هي صانعة القرار الحقيقي، والدليل على ذلك ترشيح أوباما لرئاسة البلاد من خلال "مركز التقدم الأمريكي للدراسات السياسية"؛ فالدول المتقدمة هي التي تيسر على مراكز الأبحاث مهامها، مؤكدا أن مصر بدأت في السير على هذا النهج، لكن يظل التمويل هو العائق أمامها، والذي يبعد أبحاثها عن الواقع بصورة أو بأخرى، فلم تعد تهتم الأبحاث بالظواهر المجتمعية الواقعية، ويقتصر الأمر على الدراسات النظرية لأنها غير مكلفة.

أما الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، فأكد اقتصار دور المراكز البحثية المصرية، على عقد المؤتمرات والحديث في الندوات عن القضايا المختلفة وتقديم المقترحات والتوصيات، مضيفا: "لم ترق بعد إلى مرحلة استشارتها في قضايا إقليمية أو دولية لإبداء الرأي بها ووضع تقارير بشأنها، أو كتابة رأي في قضية ما، هذه الثقافة لم تتوفر في مصر حتى يومنا هذا، حتى في العالم العربي ككل، دورنا في هذه المراكز محدود للغاية".

"نقلا عن العدد الورقي.."

Advertisements
الجريدة الرسمية