رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

د. يحيى الرخاوى: تجريف الشخصية المصرية مسئولية الدولة.. والابتذال يسيطر على الفن

فيتو


  • >> نحن للأسف نسمى الغش “شطارة” والرشوة حق طبيعي والجمود تقوى
  • >> النكسات قد تكون حافزا لمعاودة المقاومة وإعادة البناء.. وخيانة المدرس عواقبها وخيمة جدًا
  • >> لا أتابع ما يسمى “السوشيال ميديا” وليس عندى حساب على “فيس بوك”
  • >> “الخطاب الدينى “بيخطط في المتخطط” بلا تجديد أو إبداع

حمل الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الأمراض النفسية بكلية طب قصر العيني، الدولة مسئولية تشويه الشخصية المصرية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الإعلام لا يقوم بدوره التنويرى في مواجهة الظواهر السلبية، ولا بدوره التعويضى عن تدهور التعليم.
الرخاوى شدد في حوار مع فيتو على أن الخطاب الدينى المقدم من المشايخ فاتر وممل لا يقدم جديدا، مؤكدا في الوقت نفسه أن ربط تدهور الشخصية المصرية بثورتي يناير ويونيو غير موفق وغير دقيق.. وإلى نص الحوار


> هل تؤيد الرأى القائل بأن الشخصية المصرية قد تعرضت للتدمير والتبوير في الفترة ما بعد ثورتى يناير و٣٠ يونيو؟
أعتقد أن تعبير “تدمير وتبوير” الشخصية المصرية شديد القسوة والتشاؤم، وأرى أن ربط هذا التدمير والتبوير المزعومين بكل من ثورتى يناير ويونيو معا هو ربط إجمالى غير دقيق، ولا أظن برغم ما يصلنى من سلبيات وتجاوزات أن الشخصية المصرية قد تم تدميرها أو تبويرها فعلا، سواء نتيجة لهذين الحدثين أم لما جرى قبلهما أو بعدهما، كما أنه في حالة فرض صحة حدوث هذا التدمير أو التبوير، فلا يمكن أن نربطه بـ “هوجة” جماعية (يناير) ثم ثورة تصحيحية (يونيو) جمعًا مع بعض هكذا، هذا الربط الخطى الكمّى هو ضد التاريخ، ويتنافى مع أصالة شعب مثل الشعب المصرى وتاريخه.

> هل للدولة أي دور في أي تشويه طال الشخصية المصرية أو يد في ظهور سمات سلبية عليها؟
طبعا لها دور و”نص” ولكن ليس التشويه المقصود به تدمير أو تبوير الشخصية المصرية كما في السؤال الأول، ولكن دورها يكمن في عدم تناسب إيقاع التصحيح مع مدى التخريب الذي حدث، وأيضا عدم الانتباه بدرجة كافية إلى نبض عامة الناس بعيدا عن الإعلام والمسلسلات ومواقع التواصل الاجتماعى التي حلت محل حركية الوعى الجماعى النابض الصادق المتحمل المثابر.

> هل هناك ملامح وسمات في الشخصية المصرية قاومت رياح التغيير؟
أعتقد أن هذا الشعب العريق ما زال يحتفظ بسلامة نبض جذوره برغم كل ما حدث، ومن الملامح التي احتفظ بها، الطيبة الحقيقية الواعية المسئولة، والصبر الممتد والقدرة على التأجيل انتظارا للفرح العاجل أو الآجل، والثقة في رحمة الله وعدله، وأنه قادر على إصلاح ما أفسده الدهر، بالإضافة إلى تجنب التصادم الأهلي الدموى الجماعى (الحروب الأهلية) مهما اختلفت الآراء، وأيضا المبادرة بإعانة المكسور، والوقوف في صف المظلوم دون شروط القرابة أو المصلحة، وقد ألقت هذه السمات بظلالها على المجتمع بحفاظها على درجة التفاؤل الغائر عكس الظاهر من السخط والشجب والاحتجاج.

> هل كان للانحرافات والجرائم والتجاوزات المتكررة تأثير سلبى على الشخصية المصرية؟
طبعا بلا أدنى شك، علما بأن خطر الانحراف والجريمة يكون أكثر وأبشع حين يصدر من المسئولين عن مقاومتهما، وأيضا يكون أخبث إذا ما تسمّى بأسماء ضدّية، مثلما نسمى الغش “شطارة”، ونسمى الرشوة، حقا طبيعيا لتسهيل الصعوبات الإدارية، أو لتجاوز المحاذير القانونية، ونسمى الجمود تقوى أو تمسكا بفضائل القديم، وغيرها كثير من الأسماء الضدية.

> هل هناك عوامل أخرى؟
بالطبع هناك عدة عوامل أخرى ألقت بظلالها على ملامح وسمات الشخصية المصرية، على رأسها تفكك الأسرة وغياب دور الوالد والوالدة والقائد، وفساد التعليم وتسطيح الوعى وخيانة المدرس، فضلا عن سيادة منظومة القيم السلبية مثل الغش في التعليم، بدءًا من الحضانة حتى رسائل الدكتوراه، وأخطر من سيادة الغش هو اعتباره حدثا عاديا، وأحيانا يعتبر قيمة مدعاة للفخر بالشطارة، والأخطر من الخطر هو إسهام الأهل والمسئولين في الترويج لهذه القيمة، والدفاع عنها قولا وفعلا، فضلا عن إهدار قيمة الوقت بل ذرات الوقت، وإهدار قيمة “العمل” الذي يعد وقود الحياة، والبرنامج الأول للتطور للبقاء.

> هل لمواقع التواصل الاجتماعى أي يد في تغير سمات وملامح الشخصية المصرية؟
للأسف أنا لا أتابع ما يسمى “السوشيال ميديا” وليس عندى حساب على “فيس بوك”، وإن كان لدىّ موقعى الشخصى على النت، لكن ما بلغنى من الصحف التي اعتدت قراءتها منذ عشرات السنوات، يؤكد لى أن سلبيات هذا التواصل الاجتماعى أصبحت أكثر من إيجابياته، إن هذا النوع من التواصل له ميزة تكمن في محاولة التخلص من احتكار السلطات الفوقية (الحكومة والمال) لمنظومات المعلومات التي تشكل الوعى وتعيد ترتيبه باستمرار، لكن للأسف بدلا من أن يقوم هذا التواصل بدور التصحيح، فقد غلب عليه استسهال اللغو والإثارة، فهو لا يعطى بديلا موضوعيا يسهم في تكوين وعى صحّى قادر، وإنما يروَج للشجب والتبرير ووضع اللوم ونشر التفكير التآمرى معظم الوقت.

> وماذا عن الإعلام والفن؟
أنا لا أتابع الإعلام بأنواعه إلا الصحف، كما أننى توقفت عن متابعة المسلسلات، بل ولم أعد أتابع الأحدث في السينما والمسرح، ربما لأسباب صحية، بالإضافة إلى ضيق الوقت، لكن ما يصلنى من متابعتى عبر ما ينشر من نقد لهذه الأعمال، يكاد يبلغنى دون تعميم، إن الإعلام لا يقوم بدور تعويضى يعوض مثلًا تدهور التعليم وغلبة السطحية واستسهال الابتذال، ولا يقوم بدور التنوير بغرض تحديث الفكر والإبداع وآليات التحضر، فضلا عن أنه لا يقوم بدور التوعية بالدعم المباشر أو غير المباشر للقيم الإيجابية مثل العمل وملء الوقت.

> وهل غياب الخطاب الدينى المعتدل كان له أثره السلبى أيضا على الشخصية المصرية؟
ما يصلنى مما يسمى “الخطاب الدينى المعتدل” يجعلنى أتصور أنه يكلم نفسه، أو يكلم من هو مستعد لتصديقه حتى لو لم يسمعه، بمعنى أن أغلبه هو خطاب هادئ أو فاتر مـُـعـَـادْ، أو ما يسميه أهل بلدنا “بيخطط في المتخطط” بلا تجديد أو إبداع، وأنا أفتقد في الخطاب الدينى أنه لا يتبنى فكرة أن الأديان هي طريق للإيمان الذي هو جوهر الحضارة، وغاية التطور وأصل الوجود، وهذا حديث يطول شرحه.

> هل يمكن تقويم الشخصية المصرية بعد ما مرت به من تغيرات؟
بالطبع يمكن، فعثرات الشعوب العريقة لا تمحو أصالة طبعها، وعمق حضاراتها، ثم ماذا يهم من توقف أو تراجع لمدة عشرين سنة أو مائتين، على مدى تاريخ شعب أصيل تمتد جذور إيجابيات حضارته إلى عمق آلاف السنين، إن هذه النكسات قد تكون حافزا لمعاودة المقاومة وإعادة البناء، والضربة التي لا تقتل تزيد من القوة.

> كيف يمكن أن يتم هذا الإصلاح والتقويم؟
على مستوى الدولة، لابد أن تسترجع تلك الأخيرة دورها ليس فقط في الضبط والربط، وإنما في إرساء العدل أكثر فأكثر، واحترام الناس أعمق وأكمل، وتنمية الوعى أبدع وأجمل، وتزكية الإيمان أعم وأشمل، وعلى مستوى الأفراد، لابد أن ننجح في توصيل فكرة أن كل فرد على حدة هو مسئول عن مسيرة قومه، بل مسيرة نوعه طوال الوقت، وآيات القرآن الكريم تؤكد هذا كما في قوله تعالى “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية