رئيس التحرير
عصام كامل

صراع "القط والفأر" بين "مرسى" و"السيسى".. عيّنه وزيرًا لـ"أخونة" الجيش فهدم الأنفاق ورفض توطين الفلسطينيين بسيناء.. الرئيس يدعم حكمه بـ"العسكر".. و"السيسى" يرفض مصير "طنطاوى"

الرئيس مرسى بجواره
الرئيس مرسى بجواره الفريق عبد الفتاح السيسى

يتوهم الكثيرون أن العلاقة بينهما "سمن على عسل"، قائمة على الود والثقة والطمأنينة، بل ذهبوا إلى التأكيد بوجود صفقة طويلة الأجل، تقضي باستمرار أحدهما على كرسي الحكم، وانفراد الآخر بصناة القرار في الخفاء.


لكن فجأة تكشفت الحقيقة، واتضحت نوايا الطرفين تجاه بعضهما البعض، وأمام الشعب الذي وثق فيهما، وتصور أنهما يحققان أهداف ثورته البيضاء، في الحرية والعدالة الاجتماعية.

هكذا العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين، وتحديداً الرئيس مرسي، والفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، والإنتاج الحربي.

فمنذ تولي "مرسي" إدارة شئون البلاد، وتخلصه من المشير طنطاوي، والفريق سامي عنان، تخيل أن الأمور أصبحت فى قبضة يده، لأنه صاحب فضل على "السيسي" الذى عينه وزيرا للدفاع، لكن يبدو أن الرئيس لم يكن يعلم أن طنطاوي كان يعد السيسي لتولي المنصب بعده.

لكن يوما بعد الآخر، اكتشف "مرسي" أن "السيسي" يقف "كالشوكة فى حلق الجماعة، مفسدا عليهم مخطاطتهم للإضرار بالأمن القومي، عبر صراع عمره تسعة أشهر.


وفى نفس الوقت، لم ينس "السيسي" وعده بإخراج المؤسسة العسكرية وإبعادها عن الحياة السياسية، "بما تبقى لها من كرامة"، كما قال لعبدالله السناوي، رئيس تحرير العربي الناصري، محاولا غلق الباب نهائيا أمام كل الدعوات المطالبة بتدخل الجيش فى الحياة السياسية، موجها لهم رسالة أمس السبت، بأن "هذا الجيش نار لا تلعبوا به ولا تلعبوا معه"، ومحذرا من أن عودتهم للحياة السياسية، "تؤخر البلاد 30 أو 40 عاما، وهو ما لا يرضون به".

بدأت علاقة "السيسي" بالرئيس مرسي، فى أغسطس من العام الماضي، حينما أصدر الرئيس قرارا بإحالة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، ونائبه الفريق سامي عنان للتقاعد، وتعيين "السيسي" وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، بعد ترقيته من رتبة لواء إلى فريق أول، فى مشهد بدا للجميع أنه حدث بمواءمة وترحيب المجلس العسكري.

وبدأ الحديث عن أن ذلك القرار بداية لأخونة القوات المسلحة، وظن كثيرون أن "السيسي" أحد رجال الجماعة داخل الجيش، وبعدها اتضحت أولي علامات "غزل" الجماعة للجيش، أثناء جلسات الجمعية التأسيسية للدستور، التى انتهت مناقشاتها بتأمين ميزانية الجيش، كما أرادت المؤسسة العسكرية، وبقائه حصريا على مجلس الدفاع الوطني.

وقبل الاستفتاء بأيام، وبعد تأمين وضع القوات المسلحة، وقعت أحداث الاتحادية، فى ديسمبر الماضي، وخرجت الجماهير فى الميادين معلنة رفضها لدستور الإخوان، وسقط الشهداء، وانتظر الجميع كلمة الجيش، ليظهر أول رد فعل للمؤسسة العسكرية، خارج توقعات الجماعة، ببيان أكدوا فيه على انحيازهم للشعب، وجاء فيه " تنحاز المؤسسة العسكرية دائماً إلى شعب مصر العظيم وتحرص على وحدة صفه، وهى جزء أصيل من نسيجه الوطنى وترابه المقدس، وتأكد ذلك من خلال الأحداث الكبرى التى مرت بها مصر عبر السنين.. وفى هذا الإطار نؤكد وندعم الحوار الوطنى والمسار الديمقراطى الجاد والمخلص حول القضايا والنقاط المختلف عليها وصولاً للتوافق الذى يجمع كافة أطياف الوطن".

بعدها دعا الرئيس "مرسي" لحوار شامل مع كل الأطياف فى قصر الاتحادية، لكن دعوته لم تلق قبولا إلا من أحزاب التيار الإسلامي والمساندين لهم، ليعلن بعدها الفريق "السيسي" عن حوار مجتمعى، دعا فيه كل الأطياف، ليلقي ترحيبا ممن وجه لهم الدعوة، عدا الإسلاميين.

وفجأة ألغى "السيسي" الحوار تحت ذريعة أن القوي لم تستجب، وفقا لما قاله العقيد أركان حرب أحمد على المتحدث العسكرى، بأن الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، يشكر كل من تجاوب مع دعوة الحوار المجتمعى، ويعلن إرجاء التنفيذ إلى موعد لاحق، نظراً لردود الأفعال التى لم تأت على المستوى المتوقع منها بشأن الدعوة الموجهة إلى القوى الوطنية والسياسية للقاء من أجل لم شمل الأسرة المصرية.

وهو الإرجاء الذى أكدت المصادر أنه جاء لخوف الرئيس والإخوان من عودة الجيش للصورة بقوة، وأن استجابة القوى للدعوة تعد إهانة للرئيس الذي لم تستجب له قوي المعارضة.

وتعتبر الأزمة السابقة، بداية لما وصفه البعض بـ"انقلاب السحر على الساحر"، لتستمر الضربات، وتأتى بعدها وفى نفس الشهر، الضربة الثانية من المؤسسة العسكرية، بإصدار وزير الدفاع قرارا بحظر تملك الأراضي فى سيناء، ليفسد على الجماعة مخطط تنفيذ مشروع توطين الفلسطينيين بسيناء.

وجاء فى القرار "أصدر الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربى، قرارا بحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة بالمناطق الإستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية لجمهورية مصر العربية، بمسافة 5 كيلومترات غربا، ماعدا مدينة رفح والمبانى المقامة داخل الزمام وكردونات المدن فقط، والمقامة على الطبيعة قبل صدور القرار الجمهورى رقم 204 لسنة 2010.

وينتهى عام 2012، بوجود صورة ندية لدي الجميع عن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والرئيس، لتكون الضربة القاضية فى فبراير الماضي، حينما أعلن المتحدث العسكري عن بدء هدم الأنفاق إلى غزة، وهو القرار الذي أحدث زلزالا داخل الرئاسة والجماعة، ليأتى الرد بعدها بأيام بإشاعة إقالة الفريق السيسي، التى أحدثت دويا داخل المؤسسة العسكرية، لتبدأ عملية تسريب تصريحات تحذر من ذلك، وتعتبر الإقدام على تلك الخطوة، نوعا من الانتحار.

ويستمر الجيش فى صدامه مع "حماس" الحليف الأول للجماعة، بعد الحديث عن تورطهم فى مقتل الجنود المصريين فى رفح، وتخرج التسريبات من المؤسسة العسكرية بأن جهات سيادية أمرت بغلق التحقيقات، مع تأكيد من الجيش بعدم التفريط فى دماء المصريين، وأعقب ذلك إعلان المتحدث العسكري على إلقاء القبض على شحنة زى عسكري مهربة عبر الأنفاق، واستمراره فى عملية هدم الأنفاق رغم تعرضها لضغوط.

عقب ذلك، أشهرت "الجماعة" أسلحتها فى وجه الجيش، بشن حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتشويه صورة المؤسسة العسكرية، بالتزامن مع تسريبات لصحيفة الجارديان البريطانية، من تقرير تقصي الحقائق الموجود أمام النائب العام، عن تورط الجيش فى قتل المصريين.

وبعدها، قام الرئيس بزيارة مفاجئة، للمجلس العسكري، واجتمع بهم، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومنح بعض القيادات الترقيات، مع التأكيد على وطنية المؤسسة العسكرية ودورها فى حماية الشعب والثورة، وينتهز "السيسي" الفرصة ليقسم على براءة الجيش من دماء المصريين، وهو اللقاء الذي اعتبر نوعا من الهدنة لصراع الكبار.

وقبل أيام، بدأ الحديث عن مشروع تنمية محور قناة السويس، لتخرج القوات المسلحة عبر مصادرها، معلنة عن شروط للموافقة على المشروع، ليعود الصراع للمشهد مرة أخري، في انتظار مواقف أكثر سخونة، ربما تنهي علاقة الطرفين ببعضهما.
الجريدة الرسمية