رئيس التحرير
عصام كامل

أوهام الزمن الجميل!


على غرار انتقاء بعض الصور والمشاهد التي بعضها مصنوع لقادة وحكام في الخارج تجسد تواضعهم وبساطتهم، يختار البعض مشاهد وصور من الماضي ليقارن هذا الماضي بالحاضر، ويقول لنا إن هذا الماضي أفضل، وليتنا عشنا فيه حتى الآن.. ولعل النموذج الصارخ هنا ما يحدث بمقارنة بعض مظاهر الحياة قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ وما بعدها..


حيث كانت الشوارع نظيفة بلا زحام أو قبح، وكان الناس في منتهى الأناقة والشياكة، وكانت كل الخدمات سهلة ويسيرة.. وأيضًا كان الجمال يسود الحياة في بر مصر، وفي النهاية يستخلص هؤلاء أن حياتنا كانت ستمضي أفضل إذا لم تقم ثورة يوليو!

غير أن هؤلاء يتجاهلون أن هذه الصور والمشاهد منتقاة ولا تعبر إلا عن حياة بعض وليس كل المصريين، الذين كان أغلبهم يعيشون حياة قاسية صعبة ومهينة أيضًا، سواء في الريف أو المدن، ولا يتمتعون بهذا الجمال والنظافة، مثلما كان يحظى به أفراد طبقة صغيرة محدودة وضيقة جدًّا.. بل إن بعض هذه الصور والمشاهد منتقاة من الأفلام السينمائية التي كانت تنتج وتعد لأبناء هذه الطبقة أيضا وتعبر بالتالي عن حياتهم.

وإذا لم تكن هناك ضرورة لقيام ثورة يوليو لما وجدت حركة الضباط الأحرار التأييد والدعم الشعبي الواسع الذي حظيت به.. أما تقييم الثورة وما تمخصت عنه فلا يصلح معه ذلك المنهج والأسلوب الذي نبكى فيه الماضي، مع تجاهل أو تناسى آلام وعيوب هذا الماضي..

الماضي لم يكن خاليا من المتاعب والآلام.. والزمن الماضي لم يكن جميلا لدرجة تجعلنا نبكي عليه، ونشعر بالحنين إليه أو لنفكر باسترجاعه وإعادته.. ذلك من قبيل الأوهام.. وبدلا من البكاء على الزمن الجميل فلنسع بكل جهد لأن نجعل حاضرنا أفضل وأكثر جمالا.. ولنجعل زماننا الحالي أفضل من زماننا الماضى، ونجعل زماننا القادم أفضل من زماننا الحالى.. ولنتعامل مع تاريخنا بقدر من الإنصاف والموضوعية، ولا نهيل التراب على ثوراتنا، أو نقلل من شأن زعمائنا.
الجريدة الرسمية