رئيس التحرير
عصام كامل

الرقابة الإدارية.. ليست الحل


لم يكن خبر القبض على رئيس مصلحة الجمارك بتهمة تقاضى رشوة هو الأول في سلسلة عمليات جهاز الرقابة الإدارية، ولن يكون الأخير، وقد شهدت الرقابة الإدارية تطورا ملحوظا في أدائها خلال السنوات القليلة الماضية، كنتيجة فعلية لدعم القيادة السياسية لها في أداء دورها، وأيضا لاختيار قيادات لديها القدرة على الفعل الإيجابى داخلها، وأخيرا لتوفر عنصر الإرادة المخلصة في مواجهة الفساد.. ولكن يظل السؤال الأهم مطروحا: هل الرقابة الإدارية هي الحل؟


الإجابة بكل صدق.. لا ليست الحل، فإذا كانت الرقابة الإدارية قد نجحت مثلا في إعادة عشرة مليارات جنيه، فإن هذا يعنى أن مائة مليار جنيه وجدت طريقا آمنا إلى حسابات الفاسدين في الداخل والخارج، وإذا كانت الرقابة الإدارية قد قبضت على مائة موظف فاسد فإن هذا يعنى أن بيننا آلاف الموظفين الفاسدين، لا يزالون طلقاء، ويعنى أيضا أن آلاف الموظفين الشرفاء ترتعش أياديهم فيفضلوا التعطيل بديلا عن العمل.

هل هذا معناه أن دور الرقابة الإدارية غير مفيد؟.. الإجابة: إطلاقا فوجود جهاز الرقابة في هذه الفترة ضرورة ملحة، ولكنه ليس الحل الوحيد..الحل هو فصل مؤدى الخدمة عن طالبها، كما فعلت ذلك دول عديدة.. اللقاء بين طالب الخدمة ومقدمها هو بيت الداء، وهو ملعب الفاسدين.. ميكنة العمل الحكومى هي الحل الأمثل ولدينا خطة قدمها خبير مصرى للمهندس إبراهيم محلب عندما كان رئيسا للوزارة.. الخطة مثل غيرها «خزنها محلب في الدرج».

الحل هو إخراج الخطة والقضاء على الفساد من المنبع، أما ما نحن عليه فإنه بمثابة من وضع «جردلا» تحت الصنبور المعطل، يمتلئ الجردل ولا يتوقف نزيف المياه، الحل في إصلاح الصنبور، بمتابعة دقيقة لكل القضايا التي أدت فيها الرقابة الإدارية دورها كان القاسم المشترك فيها هو لقاء بين طالب الخدمة ومؤديها، فكانت المفاوضات بينهما التي أدت إلى الرشوة.. وزير الزراعة الذي تورط مع رجل الأعمال رفعت الجميل.. كان الاتصال بينهما هو المشكلة.. رئيس مصلحة الجمارك كان الاتصال بينه وبين أصحاب المنتجات المهربة هو المشكلة.

ماذا لو أن المواطن تقدم للحى بأوراق طلب الرخصة إلكترونيا؟ كيف سيساومه موظف على الرشوة؟ وكيف سيقوم هو بمساومة الموظف لدفع الرشوة؟.. أوراق كل الخدمات والطلبات تقدم إلكترونيا، ويمنح القانون صاحب المصلحة مدة زمنية في حال استيفاء أوراقه يحصل بعدها على الترخيص دون لقاء بين موظف ومواطن، كل الدول المتقدمة خاضت معركتها مع الفساد على هذا النحو، أما أن نراقب الجهاز الإدارى للدولة والمكون من عدة ملايين فهذا مستحيل، اضف إلى ذلك الخوف الذي يصيب الموظف الأمين.

أعرف وزيرا عاش حياته الوظيفية في عدة وزارات دون أن يوقع بشكل صريح على طلب واحد، كان شعاره الق بالمسئولية على غيرك فكانت كل توقيعاته «لاتخاذ اللازم»..«لدراسة الأمر»..» لاتخاذ ما ترونه قانونيا».. هذا الوزير عاش سنوات طويلة متنقلا بين عدد من الوزارات والمحافظات، دون أن ينهى مشكلة واحدة، وهناك آخرون يرفعون شعار «توقف عن العمل تماما» تستمر في موقعك بدون أخطاء أو رقابة أو سجن!!

سيظل الفساد كما هو يزداد يوما بعد يوم، أذكر أن صديقا من الوزراء اكتشف ذات يوم أن هناك موظفا «عامل جمعية مع زملائه» يدفع الواحد منهم يوميا ألف جنيه من أموال الرشاوى، كان يتقاضى الرشاوى على مقهى بالإسكندرية، أو في محطة ترام، أو على ناصية أحد الشوارع، وأذكر أن آخر حكى لنا أنه بأحد الموانئ الكبرى وصل سداد مصروفات اسمه «بوابة وحرامى»..أي والله اسم وصل السداد «بوابة وحرامى»!!

غول الفساد استشرى في النفوس، والحل هو إبعاد النفوس عن التلاقى المباشر، ميكنة العمل الحكومى في الخدمات وطلبات التراخيص هو الحل الذي يواجه الفساد، أما ما دون ذلك فهو كالحرث في الماء، جهود جبارة لن تقضى على المشكلة مهما بلغت دقة ونشاط أجهزة الرقابة، ابحثوا عن المشروع في درج إبراهيم محلب.. أخرجوه وطبقوه تنتهى المشكلة إلى الأبد.
الجريدة الرسمية