رئيس التحرير
عصام كامل

نقابة لأصحاب المعاشات


الذين في الستين وما فوق هم أكثر الأجيال المصرية التي دفعت ثمن أخطاء الجميع، كان الرؤساء يأخذون قرارات خاطئة، ويطلبون من الرعية ربط الحزام، وكادت البطون تجف صبرا حتى نأخذ بثأرنا من إسرائيل، وذهب هذا الجيل لحروب ٥٦ و٦٧ والاستنزاف وأكتوبر، وهم الذين عشقوا نجيب، وأحبوا عبد الناصر، واحترموا السادات، وصدقوا مبارك، وثاروا على مرسي، ويراهنون على السيسي..


وهم الظهير السياسي للدولة المصرية مهما تغيرت الأنظمة، وفِي كل الأحوال كانوا ملح السلطة، والاحتياطي الإستراتيجي للأنظمة أمام صناديق الانتخابات والاستفتاءات والحشد، لدرجة أن وزير المالية الأسبق يوسف غالي استولي بدم بارد على ملايين أصحاب المعاشات، وضمها لموازنة الدولة، ثم راح يمن عليهم في أي زيادة للمعاشات..

ونشبت معركة شهيرة بينه وبين المحترمة السفيرة ميرفت التلاوي وزيرة الشئون الاجتماعية، ومن هنا ظلت مشكلة هذا الجيل أنه ظل يصدق كلام السلطة، وينفذ قرارات الحكومة لكي تعيش الدولة، حتى إذا ما خرج على المعاش اكتشف أنه كان مجرد عهدة حان الوقت لتكهينها، لأنها لم تعد تصلح حتى للمخازن..

وبات هذا الجيل يواجه نكرانا، وفى كل موقف تصل إليه رسالة السلطة بأنه لم يعد مرغوبا فيه، ولم يعد ينتمي لدفاتر الأحياء، والأفضل الإسراع في استخراج تصريح الدفن، وخلال يوم واحد يتغير الحال من موظف له اسم وعنوان إلى مجرد رقم تأميني، واكتشف كل هذا الجيل أن البلد الذي أحبه ومات وغني من أجله كان يخدعه، وأن معاشه لا يغني ولا يسمن من جوع..

ولا يزيد عن سدس ما كان يتقاضاه، بل إن التأمين الصحي الذي كان تحت مظلته قد انتهي، وعليه البحث عن نظام آخر يناسب فقره، أو وضعه الجديد، وهذا هو مصير كل مصري على المعاش أو تسعة ملايين منهم.

وسوف تظل كل شعارات العدالة الاجتماعية حبرا فوق الورق، إن لم يتم النظر لهؤلاء المصريين المهمشين، وأسرهم بما يعني ٤٠٪‏ من الشعب، خاصة وأن الدستور انتصر لهم في عدة نصوص، مثل الالتزام بحد أدنى للمعاش يقلص الفجوة بين المعاش وآخر مرتب حصل عليه، ولن يتأتي ذلك إلا بعد إصلاح المنظومة التأمينية التي تستغفل العاملين، لأن الدولة اخترعت نظام البدلات والحوافز والمكافآت بعيدا عن الراتب الأساسي حتى لا تدفع حصتها في التأمينات، ولا يزال هذا الوضع مستمرا، بحيث لا يزيد الحد الأقصى عن ٢٨٠٠ جنيه شامل الأجرين الثابت والمتغير بما يمثل إهانة لكل شريف عمل بإخلاص.

ولما كانت الديمقراطية وفق المفاهيم الحديثة لا تقتصر على المجالس النيابية، وإنما أصبحت أشمل حتى يكون التعبير عن الأمة عادلا لتشمل المنظمات والمؤسسات غير الحكومية التي ينتظم فيها أصحاب المصالح المشتركة للدفاع عنها، وقد حان الوقت لإنشاء نقابة للمتقاعدين تعبر عنهم، وتكون لسانهم عند التفاوض مع السلطات التي تتعامل معهم على أنهم كم مهمل وزائد عن الحاجة، وأن التخلص منهم هو الأفضل، لدرجة أن أحد إعلاميي السلطة خرج يسخر منهم بجهالة بالقول يكفي أنهم يقبضون معاشات وهم لا يعملون!!!!

وبغض النظر عما قاله فهو يردد ما سمعه ممن هم أكبر منه، وربما لا يعرفون أن المنتفعين من نظام التأمين الاجتماعي لهم الحق في إدارة الصناديق والهيئات، بوصفهم هم الممولين لهذه الصناديق بما سبق وسددوا من اشتراكات تم اقتطاعها من رواتبهم على امتداد سنوات عمرهم الوظيفي، وقد فوجئ المتقاعدون بصدور قانون النقابات العمالية الذي أغفل حقهم في تشكيل نقابتهم، وبات أصحاب المعاشات بلا صوت يدافع عنهم، حتى إن حقوقهم الدستورية والمشروعة باتوا يتسولونها من الحكومة سنويا، بالرغم من أن الحكومة مدينة للتأمينات بنحو ١٧٥ مليار جنيه، عليها فوائد تقدر بـ٢٥ مليار جنيه سنويا..

ولكن كالعادة لا تدفع عنها الحكومة مليما واحدا فوائد، لأنها تتعامل مع أموال التأمينات على أنها بلا أصحاب، بالرغم أيضا من أن الدستور ينص على أن أموال التأمينات والمعاشات في حكم الأموال الخاصة، وتتمتع بكافة آشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وكان يمكن تعويض أصحاب المعاشات لو تم استثمار وإدارة أموالهم بطريقة اقتصادية دون أن تمن الحكومة عليهم، ولن يستطيع أحد علاج تلك المشكلة إلا بوجود نقابة قوية للمتقاعدين، تفاوض وزارة المالية التي استولت على أموالهم، وتتعامل مع المتقاعدين بمنطق حسنة وأنا سيدك.

الجريدة الرسمية