رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«فيتو» في عقار أطفال المريوطية: «هنا كانت الجريمة».. تفاصيل صادمة يرويها الجيران.. المكوجي: «شميت ريحة حريق من 10 أيام وعرفت بعدها أن العيال ماتت».. وأم فاروق: «عرفت

فيتو

خمسة أيام مرت بالتمام والكمال منذ أن استيقظ المصريون على فاجعة اقشعرت لها الأبدان، ثلاث جثث لأطفال في عمر الزهور ملقى بهم داخل أكياس وسجاجيد بجوار سور فيلا مهجورة بالقرب من فندق شهير بمنطقة المريوطية غرب الجيزة.



جريمة شغلت بال المصريين وأدخلتهم في حالة من الصدمة والهلع منذ اكتشافها بالعثور على الجثث صباح الثلاثاء الماضي، فطوال الأيام الماضية لا صوت يعلو في أنحاء المعمورة على صوت الحديث عن نتائج ما وصلت إليه تحقيقات أجهزة الأمن بوزارة الداخلية لكشف غموض تلك الجريمة المروعة.


اختلفت الروايات وتعددت، طافت شائعات منصات وسائل التواصل الاجتماعي فوق سطح الأحداث الملتهبة، وسط مطالبات شعبية وجماهيرية واسعة بسرعة ضبط الجناة، إلى أن تمكن فريق البحث المشترك المؤلف من قطاع مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية والإدارة العامة لمباحث الجيزة من كشف النقاب عن الغموض الذي لازم القضية منذ يومها الأول، ونجحت أجهزة الأمن في حل اللغز وضبط المتهمين الذين تبين أنهم رجل و3 سيدات إحداهن والدة الأطفال الثلاثة، شاركوا في التخلص من جثث الأطفال بإلقائها في الطريق بعد وفاتهم نتيجة الحرق والخنق داخل غرفة مغلقة بشقتهم في عقار بدائرة قسم الطالبية.


في شارع مكة المكرمة من شارع المصرف المتفرع من شارع العروبة بمنطقة ترسا في الهرم، يقبع العقار الذي شهد أحداث الجريمة البشعة، فالإهمال قد يصل في بعض الأحيان لاعتباره جرمًا يستحق أشد أنواع العقاب، فور أن تطأ قدماك مدخل الشارع الضيق تستطيع تمييز حالة من الهرج والحركة تسود أرجاء المكان، للوهلة الأولى قد تظن أنك على وشك الانخراط في خِضَم معركة قوامها عشرات الأشخاص لا قِبَل لك بها، لكن ما إن تقترب لتستبين الأمر عن كثب، حتى تجد جُل سكان الشارع ورواده – رغم تأخر الوقت نسبيا - يروون لمراسلي القنوات والصحفيين ووسائل الإعلام تفاصيل ما شهدته أعينهم وتردد على مسامعهم عن وفاة الأطفال، وطوال أشهر عدة هي مدة إقامة «أم نيللي» وزوجها وصديقتها «أم محمد» والدة «أطفال المريوطية الثلاثة» في شقتهم بالطابق الرابع بالعقار.

لم يحتج محرر «فيتو» الكثير من الوقت لشرح سبب وجوده في المكان، فقبل أن يُتم جملته التعريفية المعتادة «أنا صحفي... »، كان «أبو وليد» منطلقا في حديثه بسرعة بديهة وعين خبيرة– مَيَّزَت الصحفي - يُحسد عليهما: «حسبي الله ونعم الوكيل في الناس دي.. الضنا غالي وهما باعوه بالرخيص أوي.. منها لله أم نيللي وجوزها واللي معاهم ربنا ينتقم منهم».. سكت للحظات ملقيا بنظرات خاطفة على محل الحلاقة الرجالي الخاص به الذي يبعد عشرات الأمتار عن مكان وقوفه، وما إن اطمأن باله على «أكل عيشه»، اتكأ مستندا على ظهر سيارة وتابع مستفيضا: «الناس دي سكنوا هنا من حوالي 4 شهور يا أستاذ.. طول عمرهم من ساعة ما جُم وهما أغراب بالنسبة لنا.. كانت ست وراجل وبت صغيرة في الأول وبعدها بشهر ولا اتنين لقينا واحدة تانية جت سكنت معاهم بعيالها.. دايما كنت بشوف أم نيللي وصاحبتها دي نازلين في أوقات متأخر بليل ويرجعوا وش الصبح.. مكنتش بشوف معاهم العيال خالص».


على بعد خطوات من «أبو وليد».. وقبل البحث عن شاهد جديد ليُكمل ما بدأه سلفه، كان «إيهاب» يترقب المشهد منتظرا أن يفرغ الأول من سرد روايته لمُحرر فيتو.. وما إن تحرك أبو وليد متجها لمحله، هرول الرجل بخُطى مسرعة تجاه "محرر فيتو" ليُدلي بدلوه قائلا: «العمارة دي مش بيجيلنا من وراها غير الهم.. الولية اللي اسمها أم نيللي دي اللي عرفته أنها كانت لا مؤاخذة شغالة مضيفة في كباريه.. أول ما جُم كانوا لابسين عبايات ونقاب.. صبحنا في يوم لقيناها بتلبس محزق وملزق وضاربة شعرها أصفر.. كانت بتنزل بليل وترجع الصبح ومعرفش جوزها سواق التوك توك ده فين ولا بيعمل إيه.. ده لو كان جوزها من أساسه».

الشاهد القاطن في العقار المجاور لعقار المتهمين توقف عن الكلام لاستحضار ما يعرفه عن «الأسرة المريبة» - على حد وصفه -، لم يدم الصمت لما يزيد على نصف الدقيقة، ثم أكمل منفعلا: «أنا وأغلب سكان الشارع نادرا ما كنا بنشوف العيال اللي ماتت دي خالص.. كانوا دايما حابسينهم وبسمع صوتهم وهما بيضربوهم وبيصوتوا من العياط.. دول كانوا ولاد صاحبتها اللي جت سكنت معاهم بعدهم بشهرين.. اسمها أم محمد باين مش فاكر.. محدش كان عنده شك أن يكون العيال جرالهم حاجة لأننا مش بنشوفهم تقريبا في الشارع.. لحد ما لقينا الشرطة جت من يومين وعرفنا الحكاية كلها.. إحنا كنا خايفين على عيالنا بعدها.. بس ربنا يكرمه محمد بيه أمين مفتش مباحث الطالبية فضل بايت معانا في الشارع 3 أيام لحد ما عرفنا أن الداخلية قبضت عليهم.. ربنا يعين الشرطة ويخليهم لينا».


"جمعة المكوجي" شاب ثلاثيني يقع المحل الخاص به في مواجهة العقار الذي لقي داخله الأطفال الثلاثة حتفهم، أوضح لمُحرر فيتو أنه منذ شهر ونصف الشهر تقريبا، فوجئ بتعالي صوت أم نيللي وزوجها: «كانوا بيتخانقوا وصوتهم جايب آخر الشارع.. طلعت أنا وجيرانهم نلحقهم ونفض بينهم.. لقينا جوزها بيضربها هي وأم محمد وبيقول إنهم كانوا بايتين بره وميعرفش عنهم حاجة من امبارح.. لقينا الموضوع دخل فيه كلام في أعراض وإحنا عندنا ولايا يا بيه.. هدينا الراجل شوية ونزلنا نشوف أشغالنا».


«من 10 أيام كده شمينا ريحة دخان جاية من عندهم في الشقة.. طلعنا نشوف فيه إيه.. أبو محمد قالنا مفيش حاجة دنا كنت بشوي لحمة».. يروي جمعة ما جعله يشك - بعد اكتشاف الجريمة - في كون تلك الحادثة تحديدا ونشوب حريق هي التي ربما أودت بحياة الأطفال الثلاثة.

في مدخل العقار مسرح المذبحة، كانت «أم فاروق» واقفة وسط حشد من نساء المنطقة تقص عليهم تفاصيل مساعدتها جهات التحقيق في كشف خيوط الجريمة وحل لغز «الجثث المجهولة».. اقترب منها "محرر فيتو" مستأذنا إياها ترك «مؤتمرها المصغر» لتروي لنا ما سبق أن ذكرته لأهل شارعها وجيرانها، رحبت السيدة الخمسينية بالأمر، ولملمت شتات أفكارها وبدأت: «أنا جارتهم في العمارة وعلاقتنا كانت يادوب سلام.. من فترة شمينا ريحة شياط في شقتهم وقلقت واتصلت بيهم عشان ييجوا يطمنوا على عيالهم.. عدت فترة من ساعتها بتاع أسبوعين مشوفتش أم نيللي وأم محمد غير مرتين فيهم وبعد كده اختفوا.. قلت جايز مسافرين لحد ما لقيت الشارع مقلوب حكومة يوم الخميس العصر وبيسألوا عن صاحب البيت وعرفت بعد كده أن البوليس شاكك أن جثث العيال بتاعت المريوطية يكونوا ولاد أم محمد».


الشاهدة أضافت لـ«فيتو»، أن بعد مناقشة رجال مباحث الجيزة لها وبعض الجيران وقاطني الشارع، استدعتها نيابة العمرانية والطالبية لعرض جثث الأطفال عليها للتوثيق وقطع الشك باليقين، واستطردت: «شفت العيال كان جثثهم منظرها صعب أوي.. العيلين الصغيرين اتشوهوا أوي يا حبة عيني.. لكن أول ما وكيل النيابة وراني أكبر جثة عرفته على طول وقولتلهم ده محمد.. البيه وكيل النيابة قالي لا ده مش محمد.. قولتله أبصم بالعشرة هو.. وأنا حافظاه كويس والجرح اللي في إيده من ضرب أمه ليه وكانت بتحاول تقنعني أن حاجة سخنة وقعت عليه».

وختمت أم فاروق روايتها قائلة: «كنا دايما بنشوف الواد الكبير بس هو اللي بيطلع وينزل من البيت هو ونيللي بنت الست التانية القصيرة أم شعر أصفر.. كان دايما بييجي ياخد مني المفتاح لما يرجع من بره عشان يطلع لبيته.. الله يرحمه هو أخواته وينتقم من اللي كان السبب في اللي حصلهم».


وكشفت تحقيقات الإدارة العامة لمباحث الجيزة تحت إشراف اللواء إبراهيم الديب مدير الإدارة بالتنسيق مع الأمن العام، أن إحدى المتهمين والدة الأطفال، وتعمل بأحد الفنادق داخل ملهى، اعتادت ترك أطفالها في مسكن صديقتها التي تعمل معها في المكان نفسه، وعند عودتهما إلى الشقة، وجدتهم 3 أطفال جثث هامدة، مع آثار حرق في جسد أحدهم، وقامت بفحصهم ومحاولة إسعافهم لكنهم كانوا فارقوا الحياة، فاتفقت مع صديقتها واثنين آخرين على إلقاء الجثث في القمامة خوفا من المساءلة القانونية.

وأشارت التحريات، إلى أن المتهمة الرئيسية، كانت تركت الأطفال في مسكن صديقتها أثناء توجهها للعمل مع زوج الثانية، وترجح التحقيقات أن الأطفال أبنائها من زيجاتها من 3 أشخاص، وتم الانفصال، وما زالت التحقيقات جارية مع باقي المتهمين.

وتعود تفاصيل الواقعة عندما عثر أهالي المريوطية، على مجموعة أكياس بلاستيكية خلال تجمع كلاب عليها بالمنطقة مع وجود روائح كريهة، وبتفتيش الأكياس عثروا على 3 أطفال في حالة تعفن، فأبلغوا الأجهزة الأمنية بالواقعة، التي حضرت على الفور، وتم نقل الجثث للمشرحة، وأمر اللواء محمود توفيق وزير الداخلية بتشكيل فريق بحث مكبر من مباحث الجيزة والأمن العام والأمن الوطني، وبدأت التحقيقات في الواقعة، وتم التوصل إلى سائق التوك توك الذي أوصل الجناة إلى مكان إلقاء الجثث، وتمكنوا من تحديد هويته، وبمناقشته أقر أن مهمته كانت توصيل السيدتين إلى المكان دون علمه بمحتوى الأكياس التي يحملونها، وعندما علم بالواقعة أخطرت أجهزة الأمن، ما أسهم في حل القضية وضُبط بعد ذلك باقي المتهمين.
Advertisements
الجريدة الرسمية