رئيس التحرير
عصام كامل

حافظ أبو سعدة: استمرار سياسة «الصوت الواحد» خطر على مستقبل الوطن

فيتو

  • الحكومة تشعر بارتياح شديد لغياب الرقابة الشعبية.. والفساد يمثل عبئا إضافيا على المواطن
  • البرلمان تخلى عن دوره ولا يعبر عن صوت الشارع.. و"تكافل وكرامة" لم يحقق الحماية الاجتماعية
  • قانون الجمعيات الأهلية قيد عمل المجتمع المدني
  • نعيش أجواء ملائمة لتفشي الفساد ومصر في مرحلة بناء دولة مؤسسات


حذر حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، من استمرار ما وصفه بـ"سياسة الصوت الواحد"، مشيرا في حوار خاص ضمن مبادرة "الصوت الآخر، معارضة من أجل الوطن التي أطلقتها "فيتو" إلى أنها سياسة خطرة على مستقبل مصر التي تحتاج إلى الصوت الآخر وإلى معارضة قوية تستطيع لفت نظر الحكومة إلى أوجه التقصير والعمل على إصلاحه. 

"أبو سعدة" اتهم بالبرلمان بالتخلي عن دوره الرقابي، مشيرا إلى أن أعضاء مجلس النواب لا يعبرون بشكل حقيقي عن صوت الشارع واهتماماته.. وإلى نص الحوار:

بداية.. كيف ترى المشهد السياسي الراهن في مصر؟
للأسف الشديد المشهد السياسي ليس في أفضل حالاته في ظل غياب وتهميش واضح للأحزاب، فرغم أن مجلس النواب نموذجي من حيث تمثيل الأحزاب فإنه لا توجد معارضة تحت قبة البرلمان سوى أقلية تمثل الصوت الآخر، وتحاول أن تستخدم أدواتها الرقابية التي تتمثل في تكتل ٢٥ - ٣٠، ما عدا ذلك باقي الأحزاب الأخرى لا تعارض ولا تناقش ولا تحاسب الحكومة، وبالتالي نحن أمام حكومة تشعر بأريحية شديدة في اتخاذ القرارات، في ظل غياب المحاسبة، كما أن المواطن أصبح لا يشعر أن أحدًا يعبر عنه أو معاناته، خاصة مع القرارات الاقتصادية الأخيرة، من زيادة أسعار الوقود وفرض ضرائب جديدة، وزيادة كافة رسوم الخدمات التي تقدم من قبل الحكومة، وغيرها من إجراءات أثقلت كاهل المصريين، ومع ذلك لم نجد صوتا داخل البرلمان يعبر عن الرأي العام المحتج على مثل هذه الإجراءات والقرارات.

وما الأسباب الحقيقية وراء ضعف المشاركة الحقيقية للأحزاب في صناعة القرار؟
الحكومة تتبنى تصورا واضحا تعتقد أنه الأفضل لمصر والمصريين في المستقبل ويجب تنفيذه، وبالتالي ليس مطلوبا من أحد انتقاد أو معارضة هذا التصور، وفي تقديري أن هذه السياسة ضررها أكبر، وأن مصر بحاجة إلى صوت آخر، وتعددية حقيقة ووضع سياسات بديلة والالتزام بالشفافية والتقييم الحقيقي للقرارات والإجراءات وتصحيحها، مما يجعلها أكثر شعبية ومقبولية لدى الرأي العام، لكن استمرار سياسة الصوت الواحد يمثل خطورة على الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر.



وماذا عن وضع منظمات المجتمع المدني في ظل قانون الجمعيات الأهلية؟
أعتقد أن وضع منظمات المجتمع المدني بمختلف أنشطتها شديد السوء ومقيد، ولا سيما في ظل قانون ٧٠ لسنة ٢٠١٧ المعروف بقانون الجمعيات الأهلية، وكذلك استمرار القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ المعروفة إعلاميا بقضية «التمويل الأجنبي»، وهو الأمر الذي أعطى فرصة أن يكون الصوت الخارجي الذي ينتقد ملف حقوق الإنسان، هو الأعلى والأكثر صدى وتأثيرا من أي صوت آخر داخل مصر، مما زاد من الضغوط الخارجية التي تمارس على الدولة المصرية، وبالتالي لا بد أن يكون هناك انفراجة لنشاط منظمات المجتمع المدني وأن تعمل بحرية، إلى جانب أجندة عمل حقيقية وقدرة على تحقيق مبدأ الإنصاف.

* ماذا عن ملف الحريات العامة؟
ما صار على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، صار على الإعلام والصحافة، بمعنى أن هناك رغبة لأن يكون هناك صوت واحد، بلا نقد ولا سيما أنها تعتبره تجريحا للحكومة ومحاولة لإثنائها عن تنفيذ خططها، وهذا ما يفسر اختفاء وابتعاد كل الأصوات المختلفة، وهو ما أفرزه التأميم غير المعلن لوسائل الإعلام، في الوقت الذي تعاني فيه الصحافة المستقلة من أزمات اقتصادية خاصة مع ارتفاع تكاليف صناعة الصحافة من طباعة ونشر، وتظل الجهة الوحيدة على تغطية هذه التكاليف بشكل كبير هي الحكومة وهو ما يفسد ما وصلت إليه الصحافة الآن، تأتي هذه الظروف في ظل تعاظم فكرة إعلام السوشيال ميديا وإعلام الإنترنت التي تتميز بمساحة من الحرية، رغم أنها يتم خنقها الآن بقانون تنظيم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مادته الـ«١٩» التي تعطيه الحق في مراقبة الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إذا ما زاد متابعوها على الـ٥ آلاف شخص.

*ماذا عن الوضع الاقتصادي وحماية الاجتماعية؟
الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية صعبة، نتيجة الظروف التي مرت بها خلال السنوات الماضية، وكانت في حاجة إلى إنقاذ، ولكن السياسات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة قاسية، ومن الممكن لتعدد الآراء والأفكار والمشاركة الواسعة من القوى السياسية والمجتمع المدني أن تقلل كثيرًا من الآثار الجانبية لهذه السياسات، ولا سيما أن الحكومة تطبق برنامج صندوق النقد الدولي، على الرغم من أن البرنامج به جزء يتعلق بعلاج الخلل بين الفئات المهمشة والضعيفة والذي نفذه عن طريق برنامج تكافل وكرامة، الذي اعتبره غير كاف لسد حاجة هذه الفئات، فضلا عن زيادة الفجوة بين الأسعار والدخول دون مراعاة للبعد الاجتماعي والدخول، وكذلك خفض قيمة العملة المحلية ثلاثة أضعاف تقريبا أمام الدولار، في الوقت الذي يدفع فيه المواطن ما بين ٢٩ إلى ٣٤٪ ضرائب على الدخل، وهذا يمثل عبئا كبيرا جدا على المواطن، وأدى إلى انحدار قطاع كبير داخل الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة.

*ما تقييمك لبرنامج الحكومة؟
لم يختلف أحد مع أهداف الحكومة ونتمنى أن تتحقق، لكن المطلوب تحديد الموارد التي من خلالها يتم الاتفاق على البرنامج، خاصة أن وزارة المالية تعتمد على الضرائب بشكل أساسي في تنفيذ برنامج الحكومة، من خلال فرض وجباية أكبر نسبة من الضرائب مما يمثل عبئا كبيرا على المواطن المصري من محدودي الدخل وحتى شرائح الطبقة الوسطى، وهو ما يجعل الحكومة عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتمثل ضغطا على المواطنين في حقهم في عيشة كريمة، وبالتالي على الحكومة أن تبحث عن موارد أخرى غير الضرائب لتتمكن من تحقيق أهداف البرنامج الطموحة.
بالإضافة إلى أن التسارع والإلحاح في فرض الضرائب يمثل أكبر ضغط على المواطن، لا سيما أن الحكومة فرضت ضرائب على كل الخدمات التي تقدمها للمواطنين بل ضاعفت بعضها.

ماذا عن ملف الفساد وطريقة تعامل الدولة معه؟
ملف مهم للغاية، ولا بد أن يكون للبرلمان دور في كشف الفساد الذي يشكل عبئا إضافيا على المواطن، وذلك من خلال تفعيل أدواته الرقابية عن طريق استجوابات الوزراء وعرض ومناقشة التكلفة الحقيقية لبرامجهم ولكل قرار تتخذه الحكومة بزيادة سلعة أو خدمة على سبيل المثال، حتى يقتنع الشارع المصري بجدوى هذه الإجراءات، وبالتبعية يصبح لدى المواطن المصري قناعة بتخفيض الاستهلاك أو بقبول الزيادة نسبيا، لكن من غير المنطقي أن يتحمل الشعب المصري فساد المؤسسات والبرلمان يتخلى عن دوره الرقابي بهذا الشكل.

هل مصر دولة مؤسسات؟
نعم، بالشكل القانوني مصر دولة مؤسسات، لكن بشكل فعلي نحن في مرحلة بناء دولة مؤسسات.

الحوار منقول عن بتصرف النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية