رئيس التحرير
عصام كامل

الوعد عمل سياسي.. تذكر يا مدبولي


معظم وزراء ما بعد مصيبة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، لا علاقة لهم بالسياسة إلا فيما ندر، فهم في الأغلب الأعم وزراء فنيون، تكنوقراط، جيء بهم لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية المنهارة. حكومات الخبراء عادة هي ما تحتاجه الدول في أعقاب الحروب والأزمات الكبرى.


يحدث أن يكون هناك سياسيون، في هذه الحكومة أو تلك لكن أصواتهم عادة تضيع وسط روشتات العلاج والجراحات، رغم أن السياسي عادة هو طبيب التخدير في غرفة العمليات. لا أعنى أنه يكذب ليخدر المشاعر ويسكن الخواطر، بل أعنى أن دور الوزير السياسي هو تقديم الرؤية الكاملة أمام حياة الناس، ليروا أن هناك أملا وضوءا وطريقا يمضون فيه، يواجهون صعوبات لكن الثمار تلوح في الأفق.

ولأننا في فترة يغلب عليها الاستقرار الأمني والوطني، وقد ترسخت أركان الدولة، وبات رئيس الدولة واثقا من قبول الناس تجرع الدواء المر، لأن هدفه المخلص هو الشفاء واستعادة العافية الوطنية والاقتصادية، فإنه كان من المأمول أن يكون في الحكومة وزراء سياسيون بتوازن مع الوزراء الخبراء. أما وإن ما حدث قد حدث، فعلى الأقل نتوقع ونتطلع أن يراعي كل وزير مضاعفات تصريحاته ودلالاتها، ومدى مواءمتها للظرف العام نفسيا وماديا.

لقد أثار رئيس وزراء إخواني، ذات يوم غضب الناس حين اتهم الأم المصرية بعدم تنظيف الثدي عند إرضاع الطفل، واأار سخرية الشعب مرة ثانية حين نصح الناس بارتداء الملابس القطنية، وبالذات قطونيل، للتغلب على انقطاع الكهرباء وتعطل أجهزة التكييف، ومن ثم معاناة الناس من الحر والعرق والرطوبة !

بالطبع فإن الوضع الآن مختلف، رغم أن رئيس الحكومة الحالي فنى بامتياز معتبر إلا أننا كنا نتمنى على المهندس مصطفى مدبولي مراعاة الفرق بين الحقيقة والأمنية، فلا يلقي بالأمنية على طاولات الناس وهم في قمة التوجع من الحياة.

أقول هذا بمناسبة ما جاء في بيان الحكومة، أمام مجلس النواب، فقد قال ( لن نترك فردا فقيرا يتكفف الناس) وفي بقية السياق إن هذا سيتم من خلال حزمة الحماية الاجتماعية التي تصون كرامته في مواجهة غول العوز. يقصد الطبقة الدنيا لكنه لم ينتبه أن الطبقة الوسطى تسقط سريعا نحو شريط الفقر العريض. كالعادة يتم اقتطاع العبارة من السياق لتصير ذات شحنة تفجيرية واسعة النطاق. وهذا ما جرى..

فإن الناس لم يعجبهم جموح العبارة (لن نترك فقيرا في مصر) وتم اختزال بقية السياق، وبالتالي باتت الأسئلة كالسكاكين: منين؟ هتعملوا إيه مع الشعب كله بعدما بقي كله فقيرا! وناس تضحك ساخرة وناس ترسم محرضة. طموح أي حكومة فعلا هو القضاء على الفقر، وضمان حد أدنى كاف يكفل حماية حياء العاطل والمحتاج أو الفقير. لكن بيان الحكومة بقدر ما طرح موازنة خيالية تجاوزت التريليون لأول مرة في تاريخ مصر، إلا أنها مكبلة بمخصصات خدمة الدين..

كما أن تضمين البيان أن الاحتياطي بلغ الـ٤٤ مليار دولار لأول مرة، يجعل الناس يردون عليك بأنه احتياطي قروض، وليس إنتاجا، فلا تتباه إلا بما تمتلك، وهكذا يصبح من غير المقبول للناس عقلا، ولو على سبيل المزاح أو حفز الهمم، أن تقول لهم في بيان لحكومتك لن نترك فقيرا يتكفف الناس.

الوعد عمل سياسي، صياغة الجملة المعبرة عن الوعد قد تحمي المسئول أو تهلكه وتسقطه، وكم من سياسيين دفعوا مناصبهم ومستقبلهم السياسي بسبب خطاب لم يكتب جيدا، وجيدا معناها أنه يراعي الحالة النفسية للشعب والحالة الاقتصادية، وكلاهما شديدا التداخل، وأن يضع أحلامه وأحلام الشعب في عبارات، لا تعجزه، ولا تسقطه في أعين الناس.

من أجل هذا أتمنى أن يحسب المهندس مصطفى مدبولي الكلمات بميزان المزاجية الحالية لشعب يتقلب كل يوم على نار التجار، وفي زحام المرور، وفي ممرات الوزارات والخدمات والمصالح الحكومية.

رئيس حكومة سياسي هو ما نحتاجه.. ولو وزن رئيسها الحالي كلماته فسنحصل على خبير ورجل دولة.
الجريدة الرسمية