رئيس التحرير
عصام كامل

اعرف نفسك


مما قد لا يعلمه البعض أن الإنسان صاحب أعظم مملكة في ممالك الكون، وأعظم ما أبدع الخالق سبحانه وتعالى في عالم الخلق، وهو عبارة عن صورة مصغرة لجميع عوالم الخلق، وفيه انطوى العالم الأكبر، فبعدما أظهر الحق سبحانه وتعالى طلاقة قدرته في مظاهر عوالم الخلق من سموات وأفلاك وأملاك ونجوم وكواكب، وشمس وقمر وأفلاك وأملاك وملائكة وجن وعوالم علوية وأراضين، وما حوته من مخلوقات من بحار وأنهار ومحيطات، وعوالم كائنة فيهن، ومن معدن وحب ونبات وحيوان، وخلق كثير لا يعلمه إلا الله، جمع سبحانه كل مظاهر هذه العوالم الكونية في مملكة الإنسان..


وهو بذلك صورة مصغرة جامعة لجميع عوالم الخلق، فهو الكون بما حوى في صورة مصغرة، ومملكة الإنسان مملكة جامعة حوت من الأسرار الكثير والكثير، وسيظل الإنسان عاجزا أمام معرفة حقيقة نفسه ومعرفتها، وللإنسان مملكة عظيمة جامعة للروح والجسد والنفس والقلب والعقل، الروح نفخة الرحمن في الجسد الطيني، وهي مكمن سر الحياة في الإنسان، وبها للإنسان كيان وقيمة وقدر، وبها الإنسان فعال في الأرض وسيد عليها، وهي الممدة للعقل والقلب والنفس..

والروح ليس لها أي ارتباط بالعالم المادي الشهواني، وهي خارجة عن أحكام الزمان والمكان، ولا يحدها ولا يهيمن عليها شيء، وللروح غذاء وقوت وهو ذكر الله عز وجل، فبه تسمو وتحلق إلى الملأ الأعلى حيث مصدرها، والروح سجينة الجسد ما دام له حياة على الأرض، وليس للروح هيئة ولا كيف ولا وصف، أشار العارفون إليها بكلمة لطيفة لا كثافة لها ولا وزن ولا ثقل، نفخها الله في القلب، ومنه تسري إلى العروق والأنسجة والخلايا والأعصاب والجوارح..

والروح هي سر الله فينا فهي نفخته المنسوبة إليه سبحانه يقول عزوجل: "ونفخت فيه من روحي"، هذا عن الروح، أما عن القلب فهو موضع النفخة ومحل النظر من الله وموضع التجلى الرباني، وهو عقل العقل، وهو المكاشف لعالم الملكوت إذا صفا وطهر من العلائق والأغيار وحب الدنيا، وهو مكان ومحل التجليات والإفاضات الربانية..

يقول تعالى في الحديث القدسي: "ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن"، أي إن السموات والأرض لا تسع تجليات الحق سبحانه بأنوار أسمائه وصفاته، وإنما قلب المؤمن مع صغر حجمه  هو الذي يسع تجليات الحق عز وجل بما فيها من أنوار وعلوم ومعارف وأسرار وحقائق ورقائق ومعانٍ، والقلب هو تلك المضغة التي أشار إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".

وصلاح القلب مرتبط بتزكية النفس، فإذا ما تزكت النفس وتخلصت من صفتها الأمارة بالسوء وتخلت عن النقائص والرذائل وتحلت بالكمال والمكارم تطهر القلب وصلح، نفهم إذن أن هناك رابطا بين القلب والنفس..

هذا بإيجاز عن القلب، أما عن النفس فهي جوهر ذات الإنسان، وهي الجامعة للأضداد كلها وهي القابلة للسمو والارتقاء وتجاوز منازل الملائكة، وهي في نفس الوقت وبنفس القدر والقوة القابلة للانحطاط والتدني، يقول سبحانه: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"..

هذا وللنفس عدة أوصاف كل وصف على حسب ماهي عليه من حال وهي سبع صفات، الأمارة بالسوء، واللوامة، والملهمة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، والكاملة التي يمنحها الله عز وجل إذن الدخول في جنة أنسه والمقام في حضرة القرب، حيث قال تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي"..

هذا والنفس البشرية هي أعدى أعداء الإنسان، وأخطر عليه من سبعين شيطانا كما أخبر النبي الكريم بقوله: "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، إنها لأقوى من سبعين شيطان"، ولذا جهادها هو الجهاد الأكبر، هذا باختصار عن النفس..

أما عن العقل فهو قائد مملكة الإنسان، وبه كان تكريم الإنسان وبه يتفاضل الناس، والعقل به يفكر الإنسان ويقيس ويزن الأمور والأشياء، وهو المبتكر والمخترع وهو محل العلوم، والعقل له على النفس تأثير، وللنفس تأثير عليه، فإذا أثر في النفس استقامت، وإذا أثر فيه هوى النفس ضل صاحبه وغوى..

وللعقل وصل بالقلب، ففي كليهما نور مبعثه الروح، وهوى النفس له دخنة سوداء حائل بين التقاء نور القلب ونور العقل، وإذا تبخر هوى النفس وزالت دخنته يلتقي النور بالنور، عند ذلك يلتقي الأربع في وحدة واحدة وهي الروح والقلب والعقل والنفس، هذه بعض خواطري حول أعظم مملكة في الكون، وعالم الخلق، وهي مملكة الإنسان خليفة الله في الأرض وسيدها.
الجريدة الرسمية