رئيس التحرير
عصام كامل

هل ضربت «حقنة» كورة اليوم!


الحكاية لم تبدأ في 19 يونيو الجاري، عندما سقط المنتخب الوطني لكرة القدم بالثلاثة أمام منتخب روسيا (الشقيقة)، الحكاية بدأت من يناير 2006 عندما كانت حيتان البحر تلتهم جثث المصريين الغلابة في عرض البحر الأحمر أثناء وبعد غرق العبارة السلام القادمة من ميناء ضبا بالسعودية، بينما كان المصريون يحتفلون في إستاد القاهرة الدولي مع الرئيس مبارك وقرينته بالفوز في إحدى مباريات بطولة أفريقيا..


اندلعت المظاهرات السعيدة في أنحاء الجمهورية برعاية "مورفين" كرة القدم بينما كان هناك أكثر من ألف أسرة مكلومة تبحث عن جثث ضحايا الفقر والفساد والإهمال.. وقتها شعرت أن هذا الشعب أو الكثير منه مدمنا للكرة، التي جعلته ينسى قيمة وكثير من مميزاته كالنخوة ومشاطرة الغير أحزانه.. حينها سقطت في نظري مقولة كارل ماركس أن الدين أفيون للشعوب رغم أن سياقها التاريخي كان مبررا، وفورا أيقنت أن الكرة هي "أفيون" المصريين!

وفي فبراير من العام الماضي، خرجت المظاهرات التي يفترض أن يعاقب عليها القانون مثل غيرها من المظاهرات التي لا تحصل على ترخيص قانوني كتابي من وزارة الداخلية، لكن هذه المظاهرات كانت مختلفة، فهي تظاهرات مبهجة ثملي ومنتشية ونزقة بالرقص والغناء بسبب وصول مصر لنهائي بطولة أفريقيا..

قبلها بأيام معدودات، كانت الدولة قد رفعت الدعم عن المحروقات من بنزين وغاز وسولار للمرة الثالثة، وقبلها بشهرين كان التعويم المبارك للجنيه أمام السيد دولار، حزن المصريون لفترة لكن مورفين الكرة كان أعلى وأقوى وأكثر إشفاقا بهم.. وبكثير من اليقين شعرت أن الناس أحزنهم هزيمة المنتخب في النهائي من الكاميرون أكثر مما أحزنهم الغلاء وجنون الأسعار!

لذا فإنني أرفع القبعة للدولة، لأنها استطاعت أن تضرب في الوقت المناسب تماما، ففي عيد الفطر المبارك وفي ثاني أيامه التي يَعبقها إجازة لمدة يومين، وفي وسط انشغال مدمني الكرة بجرعات مورفين كأس العالم الذي وصلنا له بشق الأنفس وبالحظ وبمجهود مو صلاح، استطاعت الحكومة بكثير من الذكاء إحراز دستة أهداف في المواطنين في مباراة واحدة، وكثير من الأهداف كانت من بين أقدام الحراس أو المواطنين: كباري يعني بلغة الكرة.. بجد برافوا.. وهلا هلا كمان!

لكن للأسف خيب المنتخب رجاء متابعيه وعشاقه ومدمنيه، فبرغم دعوات الصالحات والصالحين من الفنانات والفنانين، وبرغم صحبة بعض الراقصات لرفع الروح المعنوية، والتغطية الإعلامية، سقط المنتخب بالثلاثة.. سقط برغم كرم الدولة وسخائها مع صفوة الفن والإعلام المصري، رغم أنها تنفذ برنامجا للتقشف.. لكن كله يهون من أجل مزاج الشعب وراحته وروحه المعنوية، فلقد وجهت إحدى الشركات الوطنية المملوكة للدولة الدعوة لهم والإقامة لأداء مهمة وطنية مقدسة..

لكن الحلو ما يكملش، فلقد اشتكى بعض الأفاضل من الفنانين أنهم لم يأخذوا مكافأة على تشجيعهم، فقط اكتفوا بالدعوة والإقامة وتذاكر الطيران.. عندما علمت بذلك هانت على نفسي وعلى غيري مشقتنا في الميكروباص الذي كنا نَستقله عندما قام السائق بزيادة الأجرة.. كان لا بد لنا أن نضحي من أجل مصر مثلما ضحت الدولة من أجل المنتخب وعشاقه الذين كانوا سينسون تماما كل شيء من غلاء وبلاء لو فاز المنتخب، وكل عام والمورفين بخير.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية