رئيس التحرير
عصام كامل

متى ينتحر الفقراء؟


كنت قد عزمت أمري على الكتابة عن منتخب مصر وفرصة الوصول للدور التالي، لكن شيئا بداخلي يحركني نحو الكتابة عما يتكبده المواطن المصري في ظل غلاء الأسعار الذي لا يتوقف، فيزيد الفقراء فقرا، ويضيف إليهم فقراء جدد من أبناء الطبقة المتوسطة الذين لم يستطيعوا مواجهة غول الأسعار.


ولعل أهم ما جعلني أخوض في غمار هذا الموضوع هو ذلك الرجل الذي حكي لي عنه أحد الأصدقاء خلال اتصالي به لتهنئته بعيد الفطر، وكيف أنقذه جيرانه من الانتحار في اللحظات الأخيرة بعد صلاة التراويح الأخيرة، لأنه لا يملك ثمن ملابس العيد لأبنائه الثلاثة (لاحظ أنني أتحدث عن أب لثلاثة أبناء وليس أربعة أو خمسة)، يقسم لي صديقي أن هذا الرجل كان حتى أربع سنوات مضت ميسور الحال وأمور عائلته على ما يرام.

أغلقت الهاتف مع صديقي وما زلت أرسل واستقبل مكالمات التهنئة، وكان من بين المهنئين صديقي الطبيب النفسي الشهير وبعد تبادل التهاني، رويت له رواية الرجل الذي أنقذوه من الانتحار وسألته، ما الذي يجعل رجلا مثله يقدم على الانتحار؟ وهل يعتقد أن انتحاره سيوفر لأبنائه ما يريدون؟

كنت أنتظر أن يخبرني أن هناك مرضا نفسيا عاني منه الرجل جعله يقدم على هذه الفعلة لكنه أخبرني بأنه ليس مريضا… إنما هو عجز وقهر الرجال الذين نفدت حيلتهم في تلبية مطالب أبنائهم.

- قلت له لكننا نعاني من أزمة اقتصادية والكل يعلم ذلك وعلينا جميعا أن نقلل نفقاتنا.

- قال لي إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الفقراء يرون أنهم يتحملون عبء تلك الأزمة بمفردهم، في حين أن الأغنياء يزدادون غنى.

أغلقت الهاتف وأنا أدعو الله أن يلهم حكومتنا الجديدة الرشد والصواب وأن تكتفي بما صبته الحكومة السابقة في مصلحتنا.. ويبدو أن دعوتى ودعوات ملايين المصريين لم تستجب لنصحو على زيادة أسعار الوقود والذي سيتبعه بالتأكيد زيادة كل السلع لا أدري لماذا لم يستجب الله لدعواتنا.. هل لذنب اقترفناه؟ أم أنه يؤجلها ليوم لا نعلمه؟ 

وإلي أن يأتي ذلك اليوم علينا أن نتوقع مزيدا من الرجال المقهورين.

ملحوظة: لا أملك توجيه كلامي سوى للحكومة التي أتمنى أن تأخذ المواطن معدوما ومحدود الدخل -الذي كان يوما من الطبقة المتوسطة- في عين الاعتبار.
ahmed.mkan@yahoo.com
الجريدة الرسمية