رئيس التحرير
عصام كامل

أول مسيحية تُدرِّس الدراسات الإسلامية بالجامعات المصرية: تجديد الخطاب الديني يبدأ بالحضانة

فيتو


  • كنت الأولى على الدفعة.. والكنيسة شجعتني


"كريستين زاهر حنا"، أستاذ مساعد مناهج وطرق تدريس اللغة العربية، والدراسات الإسلامية بجامعة بور سعيد، هي أول طالبة قبطية مسيحية تتخصص في اللغة العربية والدراسات الإسلامية على مستوى جامعات الجمهورية، ثم تصبح معيدة ثم أستاذًا مساعدًا، لتحقق شيئّا إعجازيًّا، وتكون محط تقدير واحترام من الجميع.

حاورت "فيتو" الدكتورة كريستين زاهر حنا؛ لتتعرف منها أكثر على مشوارها وقصة كفاحها، لتكون نقطة مضيئة من "المحبة" بين الديانتين، كما يطلق عليها ويصفها زملاؤها، كما حصلنا على صور ضوئية لكل شهادات تخرجها وتفوقها خلال مشوارها الجامعي.



تقول الدكتورة كريستين زاهر: أنا من عائلة مسيحية، ولديَّ شقيقة وحيدة أصغر منى اسمها "آن"، وأنا متزوجة ولي طفلة اسمها "لي لي"، وأبلغ من العمر 37 عامًا.

وتستكمل: "أنا مسيحية متدينة أؤدي الصلوات والصيام بالتزام، واعتدت الذهاب للكنيسة، وعندما نشأت في صغري كان أول ما تعلمته من أبي وأمي «الدين لله والوطن للجميع» حقًا وفعلاً".

وتوضح: "كنت أعشق اللغة العربية وأنا في الثانوية العامة وتفوقت فيها، وعندما دخلت كلية التربية بجامعة قناة السويس، حين ذلك قبل أن تكون جامعة بور سعيد الآن، كان النظام بها التخصص من السنة الثالثة، وكان أمامي خياران بعد انتهائي من السنة الثانية في الكلية، إما أن ألتحق بقسم الدراسات الاجتماعية وإما قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية".

وتضيف أستاذة الدراسات الإسلامية: "قررت الالتحاق بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، على الرغم من غرابة الاختيار، الذي اعتبره البعض فوق العقل وأقرب ما يكون للجنون والانبهار عن التصديق".

وتكمل: "عندما ملأت استمارة التقديم للقسم، انتابت الجميع في الكلية وخارج الكلية حالة من الذهول التام فكيف سأتمكن من الدراسة في الدراسات الإسلامية على الرغم من كوني مسيحية، وبعدما تأكد الجميع من حبي لدراسة اللغة العربية وذلك المجال شجعني زملائي ودعموني جدًّا".

وعن شروط الالتحاق بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، قالت: "كان من شروط الالتحاق بالقسم أن يحفظ الطالب ثلاث سور من القرآن الكريم، وتكشف: "عرض عليَّ أساتذتى إعفائي من هذا الشرط، لكننى لم أوافق، وأصررت على أن تتم معاملتي مثل أي طالب سيلتحق بالقسم، وبالفعل قمت بحفظ سور: الإسراء والنبأ والنور".

جهات أمنية
وتلفت أستاذة الدراسات الإسلامية: "بعد ملء الاستمارة استدعتني بعض الجهات الأمنية لمعرفة السبب وراء اختياري التخصص في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وبعدما تم التأكد من أن سببي وراء ذلك يخلو من أي أغراض أو أي محاولة للظهور، وأن اختياري يرجع لحبي للعلم، رحبوا ولم أجد أي مشكلات".

امتياز في الدراسات الإسلامية
وتكمل الدكتورة كريستين زاهر: "تفوقت في السنتين الثالثة والرابعة في الكلية بعدما تخصصت في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وبالفعل كنت الأولى على الدفعة، وفى إحدى السنتين أيضًا كان تقديرى امتياز في الدراسات الإسلامية".

وتستكمل: "كان الأساتذة يقولون لى سنعفيكِ من حفظ القرآن، ولكنني كنتُ مصرة على الحفظ، كما أن أصدقاء والدي المسلمين تسابقوا لإمدادي بكتب التفسير وشرح الأحاديث لكي أستطيع أن أفهم ما يصعب فهمه وقتها".

وتشير إلى أنها درست الفقه والشريعة والتلاوة والتجويد والأحاديث الشريفة وغيرها من فروع الدراسات الإسلامية، وذلك في أثناء دراستها في السنة الثالثة والسنة الرابعة في الكلية، حتى تخرجت في الكلية.

موقف الكنيسة
وبخصوص موقف الكنيسة والأقباط عندما تم اختيار الدكتورة كريستين الالتحاق بقسم اللغة العربية والدراسات قالت: "قوبلت بتشجيع من الكنيسة وترحاب منقطع النظير، ووجدت دعمًا وتشجيعًا من أقاربي المسيحيين بشكل كبير وعلى رأسهم أبي وزوجي، فالكل كان يرى بأني سأقدم على أمر خطير، وتجربة قوية طلبًا للعلم والمحبة، وذلك على الرغم من انبهار الجميع بقراري وتجربتي التي أعلن الجميع احترامها وتقديره".

نقاط مشتركة
وتضيف: "بعد دراستي في الدراسات الإسلامية، تأكدت أن جميع الأديان السماوية تصب في بوتقة واحدة وهي التسامح والمحبة، فلو تمسكنا بتعاليم الأديان السماوية الحقيقية سنعيش في تسامح، وكل منا سيتقبل الآخر لأن الدين المعاملة".

وتؤكد: "هناك نقاط مشتركة كثيرًا بين الإسلام والمسيحية، وهي أساس الديانتين، ويجب أن تكون محور كلامنا وتركيزنا كالمحبة والتسامح، كما أن أساسيات الأديان واحدة مثل ضرورة الصلاة والصوم، فعلى الرغم من اختلاف مسميات وطبيعة الصوم والصلاة في الديانتين مثلاً، إلا أنه في الديانتين نصوم ونصلي لله، كما أن هناك قصصًا كثيرة وردت في الإنجيل والقرآن واحدة".

صعوبات وعراقيل
وعن أهم الصعوبات التي واجهتها لتعيينها معيدة في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية قالت: "لأني كنت الأولى، وتم ترشيحي لأكون معيدة بالجامعة، ولكن واجهتني بعض العقبات.. ولكنني لم أسمح لعقلي بأن يقتنع بأن تلك العراقيل ترجع لكوني مسيحية، ولكنها محض صعوبات طبيعية تواجهها أي مواطنة سيتم تعيينها في منصب معيدة بجامعة، وبعد فترة من استمرار المعوقات استدعاني رئيس الجامعة في تلك الفترة الدكتور السعيد الشامي، رحمه الله، وقال لى: أنتِ من الحسنات في تاريخ مصر وشجعني".

شيخ الأزهر
وتابعت: "لجأت إلى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي لتعييني معيدة، وشرحت له قصتي كاملة وما درسته والأبحاث والدراسات التي قدمتها خلال مشوار دراساتي ودرجاتي العلمية، وبالفعل تدخل فضيلة شيخ الأزهر لقبولي معيدة في قسم الدراسات الإسلامية".

وأوضحت د. كريستين زاهر أن شيخ الأزهر خاطب وزير التعليم العالي الدكتور مفيد شهاب في ذلك الوقت، وقام بالكتابة بخط يده على طلبي، الذي تم إرساله لوزير التعليم العالي: «للتكرم بالاطلاع واتخاذ ما يراه سيادته حقًا وعدلاً»، وبالفعل وخلال أيام تم تعييني معيدة في الكلية.

رحلة علم
وأكدت الدكتورة كريستين أنها بعد تعيينها معيدة في الكلية بدأت رحلة علمها الطويلة، ففي عام ٢٠٠٣ نالت الدبلومة العامة، ثم دبلومة خاصة في العام التالي بتقدير جيد جدًّا، وبعد ذلك التحقت بالماجستير، وحصلت على درجة الماجستير من جامعة عين شمس عام 2006، وكان موضوع رسالتها: "تقويم تدريس الأدب العربي بالصف الأول الثانوى العام" بعد ذلك في ٢٠١٠ حصلت على درجة دكتوراة الفلسفة في تخصص المناهج وطرق التدريس، وكانت رسالتها بعنوان: "فاعلية استخدام استراتيجية المسارات المتعددة ومراقبة الفهم في تنمية مستويات الفهم القرائي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية".

طفلتها والأذان
وتؤكد أنها نشأت في بيتها المسيحي على تقبل الآخر واحترامه، وأن ذلك ما تحاول أن تغرسه في طفلتها "لي لي" ذات السنوات الست.

وتضيف: "حرصت على أن أجعل طفلتي عندما تسمع الأذان في التليفزيون لا تغلق التلفاز أو تخفض صوته، حتى أغرس فيها احترام زملائها المسلمين ومحبتهم وتقبل الآخر، وأكدت لها منذ الصغر أن تقبل الآخر وتقدير ديانته أمر ضروري حتى نعيش كلنا في محبة".


الخطاب الديني
وترى الدكتورة كريستين أن تجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة في هذه الفترة، على ألا يتم ذلك من جانب جامعة الأزهر ولا الجامعات ولا المساجد ولا الكنائس فحسب، ولكن يجب أن يبدأ ذلك من مراحل الطفل الأولى في الدراسة.

وتابعت: "لا بد من دعم المناهج التربوية بأجزاء خاصة بتعاليم الأديان من التسامح والمحبة والخير والخصال الحميدة التي أوصانا بها الإسلام والمسيحية على حد سواء، مع وضع آيات من القرآن والإنجيل تؤكد تلك الخصال الحميدة لغرسها في نفوس الطلاب الصغار والتأكيد بأن الديانتين تدعوان للمحبة".


الحوار منقول عن النسخة الورقية لـ "فيتو" بتصرف...
الجريدة الرسمية