رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أحمد الخميسي: ثورة يناير «انتفاضة» أزاحت على بابا واستبقت العصابة

فيتو

  • - الزعيم رفض العمل مع أبي بسبب 150 جنيها
  • - تزوج 6 مرات وأنجب 13 ابنا ولم يتدخل في حياة أبنائه
  • - الاعتقال ترك بصمته في تكوينى النفسى.. وما زالت تراودنى أحلام عنه
  • - أيام السادات هاجر خارج مصر.. وهاجم كامب ديفيد بقصيدة «الخديو».. فصدر ضده حكم بإسقاط حقوقه المدنية
  • - أدون حياتى مع والدى في كتاب بعنوان «كيف عرفت الخميسي»
  • - 25 يناير «انتفاضة» وليست «ثورة».. و«مبارك» لم يكن رأس الديك الأحمر


حقائق مذهلة حول الروائي والشاعر والكاتب والصحفي عبد الرحمن الخميسي، يكشف عنها نجله أحمد الخميسي؛ فاسم والده عرقل مسيرته.. فـ"الخميسي الأب" ظل طوال حياته معارضًا للنظام، سواء في عهد عبد الناصر، أو السادات.. فقد ظل بعيدًا عن أجهزة الدولة، ورفض الانضمام إلى التنظيم الطليعي، كما أبى أن يهاجم عبد الناصر بعد رحيله، وانتقد اتفاقية "كامب ديفيد"، أما عن حياته الأسرية فقد تزوج 6 مرات، منهن المصرية ومنهن العربية.. ولم تثر بين زوجاته أية حساسية.

أحمد كشف أيضًا عن آخر تطورات أزمة أوبريت "الأرملة الطروب" الذي قام والده بتعريبه، إلا أن دار الأوبرا قامت "بنهبه" حسب تعبيره، ولم تعترف بحق الرجل، ولم تضع اسمه عليه، رغم اعتراف رئيسها الحالي مجدي صابر.. اكتشف والده العديد من النجوم، ورموز الكتابة والأدب.. وكان أشد ما يسيئه إهانة الضعيف، وتجرع الأب والابن مرارة الاعتقال، لكنهما تحملاها بشجاعة، ولكنها تركت أثرها المؤلم على "أحمد".

"الخميسي الابن" يعرض آراء والده في وزارة الثقافة، وآراءه الشخصية في ثورة يناير، وتفاصيل الرسالتين اللتين وجهما لثورة يناير 2011.. وإلى التفاصيل:


* ما آخر تطورات أوبريت "الأرملة الطروب" لعبد الرحمن الخميسي مع دار الأوبرا؟
- أوبريت "الأرملة الطروب" يُعرض منذ أكثر من 10 سنوات بدار الأوبرا المصرية دون ذكر اسم والدي، علما بأنه من تعريب عبد الرحمن الخميسي، وهذا معروف، وعُرِض في أكتوبر1961، وكان من بطولة رتيبة الحفني وحسين رياض ونوال الفتوح، ونُشر على صفحات مجلة "المجلة" بنفس العام، وعندما تواصلت مع الدكتور مجدي صابر، رئيس دار الأوبرا الحالي، لتنبيهه لذلك لم أحصل منه على رد واضح، وخصوصا أن تجربة عبد الرحمن الخميسي هي تجربة واحدة لم تتكرر بأن يُعرِّب أوبريت بكلمات مصرية تتوافق مع اللحن الأصلي، واعترف رئيس دار الأوبرا بأن الأوبريت لوالدى، ولكنه أشار إلى أننا ليست لنا أي حقوق مالية، وهذا الاعتراف لم يأخذ أي صيغة رسمية، وإنما جاء في أحد الحوارات الصحفية له، وللأسف لم نصل لشيء ولذلك سنلجأ إلى القانون، والمسألة هنا أن الأوبريت نُهب بشكل عمدى من جانب دار الأوبرا فإخفاء اسم المُعرِّب يضيع الحقوق المالية ويعد فسادا ماليا.

* عبد الرحمن الخميسي كان شخصية متفردة في الإبداع.. فكيف استطاع أن يتزوج من أربع نساء؟
- والدى لم يتزوج 4 سيدات ولكن رسميا تزوج من 6 نساء، ففى بداية حياته وهو يعيش في المنصورة تزوج من "الست محاسن" التي عاش معها 20 يوما، ثم أتى إلى القاهرة وتزوج من إحدى قريباته، وكنا نسميها «ماما هانم»، وهى والدة أخى الأكبر عبد الملك والد الممثلة لقاء الخميسى، ثم تزوج من والدتى وأنجب منها 6 أبناء، ثم تزوج "أبلة ألطاف"، وأنجب منها 4 أبناء، ثم سيدة أخرى أنجب منها اثنين (خالد وهند)، وعندما سافر إلى العراق تزوج من "السيدة حياة"، وهى بحرينية، ولم ينجب منها، وعدد أبنائه 13.

* وكيف استطاع أن يقنع زوجاته بالزواج أكثر من مرة، خصوصا أن السيدة المصرية لا تقبل بـ«الضرة»؟
- على العكس تماما فلم ينشأ بين زوجات أبى تلك الحساسية المفرطة، فزوجته «ماما هانم» والدة أخى الأكبر، عاشت معنا فترة طويلة، لأسباب لا تتصل بعلاقتها مع والدى، ولكن لأنى أنا وإخوتى كنا نحبها جدا، وأمى كانت تعتبرها أختا لها، وظلتا يحبان بعضهما حتى وفاتهما.


• هناك تقاطع وتشابه كبير بين حياتك وحياة والدك من «إبداع واعتقال وسفر».. كيف ترى ذلك؟
- حياة والدى كانت أكثر زخمًا مني، فبدأ حياته شاعرًا من المنصورة، وكان تلميذا، ثم دخل عالم الصحافة وعمل في الإذاعة، وعُرِف عنه أنه «صاحب الصوت الذهبي»، ثم إلى عالم القصة القصيرة، حيث كتب عنه يوسف إدريس قائلًا: "الخميسى حطم طبقية القصة القصيرة، بعد أن كانت حكرا على فئة معينة"، ثم دخل عالم المسرح، وأنشأ فرقة مسرحية مع الفنان أحمد المسيرى، وألَّف لها، واشترك بالتمثيل فيها، ثم عالم السينما حيث كتب وأخرج مجموعة من أفلامه، ثم دخل ممثلا فقط في أفلام يوسف شاهين، بالإضافة إلى ترحاله وسفره إلى بلدان كثيرة، أما حياتى فأعتبرها نهرًا صغيرًا من هذا المحيط الإبداعي. 

أيضا الخميسى كان مكتشفًا للمواهب، فهو أول من قدم يوسف إدريس للصحافة وكان بجريدة "المصري" قبل ثورة 1952، والتي كانت حينذاك لسان حال حزب الوفد، كما اكتشف موهبة سعاد حسنى ودفعها للعمل بالسينما، وأيضا اكتشف وقدم شمس البارودى وحسين الشربينى في أول أعمالهما فيلم "الجزاء"، أيضا هو أول من قدم الكاتب الكبير فتحى غانم – وذلك على حد قول رجائى النقاش- وأيضا الكاتبة فتحية العسال التي ذكرت في مذكراتها أنها لم تكن تعرف تكتب أو تقرأ والخميسي هو من علمها، فقد كانت زوجة صديقه عبد الله الطوجى، وكان يشعر بسعادة عندما يساعد أحدا ويضعه على طريق اكتشاف ذاته.

• كلاكما ذاق مرارة الاعتقال.. فما أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين؟
- تجربتى مع اعتقال والدى (1953-1956)، وكان عمرى تقريبا 6 سنوات، وأذكر جيدا أنه بعد اعتقاله، كانت أمى تجلس وتقوم بتقميع البامية، وأنا نائم على أحد أرجلها وقلت لها: "بابا دلوقتى مش موجود معانا، إيه رأيك أكتب أنا مقالته ونرسلها للجرنال ونكتب عليها اسم بابا، عشان نقبض الفلوس"، وسكتت أمى ولم ترد على حديثى.

وكان أول رد فعل لى بعد اعتقاله، أننى شعرت بافتقاده، ثم جاءت فرصة وذهبت مع والدتى لزيارته في السجن، وهذه كانت أول مرة في حياتى تلمع برأسى فكرة قصة بعنوان «ابتسامتان»، وجاءت فكرتها أثناء انتظارنا لوالدى، فدخل علينا وكان أحد العساكر يضع في يده "الكلابش"، وعندما رآني رفع يده لأعلى وقال: "شوف أنا سجنت الراجل ده عشان بيعمل مخالفات»، ثم جلس بجانبى وظل يضحك طوال القعدة، محاولا أن يوهمنى بأنه بخير، وأنه من يسجن هذا العسكري، وفى نفس الوقت ابتسمت له وأوهمته بأنى أصدق ما يقول، ولم أكن أتخيل آنذاك معنى المعتقل، ولكن كنت أشعر بأنه انتُزِع منا وسجن بسبب دفاعه عن حقوق الناس، وهذا الشعور كان يؤذيني ويؤلمنى ودخل في تكويني النفسي.

ولكن عندما دخلت أنا المعتقل 1968، اكتشفت أن الأمر مختلف تماما، وعرفت معناه جيدا، فالاعتقال تجربة فريدة، فهو الاختراع الأمثل لـ «كيفية قتل الإنسان وهو حي»، وكان معى في الاعتقال الزجال أحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام، وزنزانتى كانت تتوسط كلا من نجم ولواء طيار يدعى صفوت، أنا ونجم كنا نقرأ بينما اللواء لم يكن لديه ما يشغل فراغه، فكان يطلب من «نجم» أثناء تلك الساعة أن يؤلف له لعبة الكلمات المتقاطعة.. وبالفعل كان يكتبها له بالنهار ليشغله بحلها في المساء، وكنت أنا الوسيط بينهما، وكان صفوت يسأل نجم عن الحل كل مرة فيصرخ نجم قائلا: "هو أنا أكتبها له بالنهار وأحلها له بالليل؟! ما يحلها هو"، وما أقصده أنه كانت هناك جوانب إيجابية، أهمها أنك بعد الاعتقال تشعر بأنه ليس هناك شيء مخيفٌ، ولا يمكن كسرُك في الحياة، فالمعتقل يكسر الخوف من السلطة.

• ولماذا لم تكتب عملا يجمع بين تجربتكما في المعتقل؟
- تجربة والدي لم أعشها ولم أعرفها جيدا، ولكن ما أفكر فيه الآن هو كتابة حياتى معه، كيف عشنا سويا وخصوصا بعد هجرتنا، وكيف عرفت عبد الرحمن الخميسى، فكان شخصا مختلفا في كل شيء، وأعتقد أن المعتقل ترك أثرا بداخله، ولكنه لم يكسره أو يهزمه.

• وما قصة لقائه بشعراوى جمعة وزير الداخلية، ورفضه الانضمام للتنظيم الطليعى؟ وهل كان يخشى مصادقة السلطة؟
- هذه القصة كتبها صلاح عيسى، والتنظيم الطليعى كان الجناح السري للاتحاد الاشتراكى وكان رئيسه شعراوى جمعة، وقابل والدى وقال له: "الناس الكويسين كلها معانا، ما تيجي أنت كمان؟!"، فقال له الخميسى: "أصل أنا يا شعراوى بيه مش بيتبل في بقي فولة، أحضر اجتماع معاكم واطلع منه أحكى اللى حصل يقبضوا عليكم؟!"، وفهم شعراوى اعتذار والدى.

وكان لا يخشى شيئا، ولكنه لم يحب أن تربطه بالسلطة أية علاقة، وعاش في مصر ولم يتقلد على الإطلاق منصبًا رسميًّا في الدولة، سواء رئيس تحرير أو رئيس لجنة ما، ولم يتم تكريمه من جانب الدولة، حتى عندما رحل لم نأخذ معاشا له.

وعندما أصبح السادات رئيسًا، جاء عبد الرحمن الشرقاوى لوالدى، وقال له: "السادات يرغب في فتح ملفات الاعتقالات والحرية التي غابت وقت عبد الناصر، فالسادات يرغب في نشر الديمقراطية، وطالبه بالكتابة في هذا الاتجاه".. وطلب الخميسى من صلاح عيسى أن يأتى له بمجموعة من الكتب عن فترة عبد الناصر، وأتى صلاح عيسى له بالكتب، ونظر لها الخميسى، وقال لصلاح: "خلاص يا ابنى أنا مش هكتب، فهذا حقٌ يُراد به باطل، فعبد الناصر لم يكن ديمقراطيا، ولكن هم أيضا لا يهمهم الديمقراطية"، ولم يشترك في الحملة على عبد الناصر. 

وأنا ووالدى كل منا اعتقل 3 سنوات، وواحدة من أخواتى اعتقلت، وأزواج إخوتى اعتُقِلوا وأخوالى كلهم اعتُقِلوا في عهد عبد الناصر، ولم أهاجمه مرةً واحدة، لأنه بالنسبة إليَّ ليس شخصا ولكن مرحلة، وعلى رأى الشاعر فؤاد حداد «دوق الفلاح طعم الفدان»، والتعليم في عهده كان مجانا، وكان هناك نهضة صناعية وزراعية وثقافية، ففى زمن ناصر كان تعدادنا 30 مليون نسمة وكانت تصدر 15 مجلة ثقافية متخصصة في ذلك الوقت، إنما اليوم تعدادنا 100 مليون ولا تجد 3 مجلات".

• هل ترى أن اقتراب المثقف من السلطة خطرٌ يهدده؟
- بالطبع.. فالسلطة مفسدة، والكذب والسلطة يعبر كل منهما عن الآخر، أي وجهان لعملة واحدة، فالمثقف شخص واحد، عندما يقترب من السلطة وهى المؤسسة الأكبر، تبتلعه بداخلها، ولذلك المثقف لا بد أن يكون حرا.
.
• يقول إرنست همنجواى «العمل في الصحافة بعد الوصول إلى نقطة معينة يمكن أن يكون تدميرا ذاتيا يوميا للكاتب المبدع».. فإلى أي مدى أفادك العمل بها؟ وهل هذا صحيح؟
- ليست هناك قاعدة عامة، بمعنى هل الأديب لا بد أن يكتب كل يوم؟ ونجيب محفوظ كان يكتب يوميًّا لمدة ساعتين لدرجة أنه كان يقول أكتب من وحى القلم، ويوسف إدريس لم يكن يكتب يوميًّا، ويقول هيمنجواى "الكتابة ما هي إلا إعادة الكتابة".

ورأيت أن العمل الصحفى مضر مع تجربة الصديق العزيز أحمد هاشم الشريف، وكنا قد أصدرنا أول مجموعة قصصية سويا عام 1967، وكان يعمل في وزارة الأوقاف ويكتب قصصًا في نفس الوقت، وعندما تنبهت له "روزاليوسف" و"صباح الخير"، وطلبوا منه العمل معه، قلت له "لك أن تذهب ولكن انتبه ألا تأكلك الصحافة"، وللأسف أكله العمل الصحفى.

وجابرييل جارسيا ماركيز يعتبر أن العمل الصحفى والمقالات نوع من الأدب، وبالنسبة للصحافة شجعتنى على العمل الأدبي، وجعلت قلمى في حالة سيولة دائمة، وجعلتني متصلًا باستمرار بالقضايا العامة، وبالمناسبة نجيب محفوظ كان يكتب باستمرار في الصحافة في فترته الأخيرة، وبشكل عام ليس هناك قاعدة عامة ولكن هناك تخوفا منها.

• وما أول أجر حصلت عليه من مقال أو قصة كتبتها؟
- كان خمسة صاغ وحصلت عليه من والدتى، وثانى أجر كان خمسة جنيهات حصلت عليه عن قصة كتبتها لمجلة الكاتب بعدما قدمنى لها يوسف إدريس، وأول أجر عن مجموعة قصصية كانت بالتعاون مع أحمد هاشم الشريف، وحصلنا على 20 جنيها، وما زلت أحتفظ بعقدى مع دار النشر.

• كان لك تجارب سابقة في كتابة السيناريو مع والدك.. فلماذا توقفت عنها؟
- بعد تجربتى مع والدى حاولت أكمل، حيث كان هناك الكثير من العروض من أصدقاء لي، ولكن اكتشفت أن هناك مشكلة كبيرة في تسويق السيناريو تحتاج لوقت أكبر من كتابته، وهذا يحتاج لتفرغ، بالإضافة إلى أني غير مقتنع بأن السيناريو والتمثيليات أحد الأشكال الفنية وعلى الأقل التي تناسبني، فالفن يعتمد على التكثيف والتركيز، ولكن ما يحدث الآن هو المط والإطالة وهذا ضد الفن.

• هل اسم والداك ساعدك على الدخول إلى عالم الأدب بسهولة؟
- على العكس تماما، اسم عبد الرحمن الخميسى عرقل مسيرتى، لأنه كان معارضًا ومشاكسًا للدولة دائما، فاعتُقل في بداية ثورة 1952، وأيام عبد الناصر كان بعيدا عن أجهزة الدولة، وعندما جاء السادات هاجر خارج البلاد وهاجم اتفاقية كامب ديفيد بقصيدة «الخديو» سخر فيها من السادات، وفى هذا الوقت صدر ضده حكم بإسقاط حقوقه المدنية، وكنا ندرس خارج مصر، وكنا ممنوعين من العودة إليها، وعبد الرحمن الخميسى لا يعرف «الوسطى».. وفى النهاية الموهبة هي من تفرض نفسها على الجمهور.

• كيف ترى فعاليات ومؤتمرات وزارة الثقافة لمواجهة الإرهاب ونشر المعرفة وتكريم الأدباء؟
- وزارة الثقافة عندما نشأت في بداية الثورة وتولاها الكاتب فتحى رضوان، كانت تحت مسمى «وزارة الإرشاد والإعلام»، وكانت فكرة نشأتها أن تدافع عن إنجازات الحكومة بعد الثورة، ثم تغير اسمها إلى "الثقافة"، وظل دورها الحقيقى الدفاع عن الإنجازات، ونحن الآن أمام معركة مواجهة الإرهاب.. فهل وزارة الثقافة تؤدى دورها؟!.. الإجابة لا، لأنها من المفترض أن تتعامل مع الوعى المتخلف الفاسد الذي يشكل تربة حاضنة للإرهاب، وهذا الوعى مكانه في الصعيد والأرياف والأزقة والحارات، وهذا الوعي ليس موجودًا داخل المجلس الأعلى للثقافة، وما تفعله الوزارة كالآتى "ناس متنورين يجلسون مع ناس متنورين، ويعزموهم على موضوع عن التنوير".

فالوزارة لا تواجه الإرهارب في أماكنه، بالإضافة إلى أن الإرهاب لن يواجه بـ «الكتاب» فقط، وإنما نحتاج إلى فرق للموسيقى والفنون والمسرح، وأشخاص يكتبون أعمالا خاصة عنه، ونحتاج إلى استعادة الأغانى الوطنية التي كتبها بديع خيرى وسيد درويش كأغنية «لو الأوطان بتجمعهم.. عمر الأديان ما تفرقهم.. متقولش لا مسلم ولا نصرانى»، وما أقصده أننا نحتاج قدرًا من الإبداع، وهذا على مستوى محاربة الإرهاب.

ومن ناحية أخرى، ففى عهد وزارة الثقافة أُغْلقت فرق مسرحية، وسُجِن شعراءٌ وكتابٌ، وينهب أوبريت كاملا لعبد الرحمن الخميسى، أيضا لم يكتفوا بقطاع الرقابة على المصنفات بل يُنشئون فروعًا لها في المحافظات، وأرى أن الوزارة ترى نفسها مطبعة للكتب فقط.

وإذا نظرنا للمسرح.. فماذا يقدم على المسرح القومى من نصوص؟!.. فأين ذهب توفيق الحكيم، نعمان عاشور، ألفريد فرج، محمود دياب، وسيد درويش هذا العملاق الفنى الغائب عن الأجيال منذ 30 عامًا؟!

• وهل يعنى ذلك بأنك مع الدعوة إلى إلغاء وزارة الثقافة؟
- بالطبع لا.. أرفض أي دعوة لإلغائها، وليس معنى أن لدينا خللًا في منطقة معينة فنقوم بهدم الوزارة بأكملها، ومن يطالب بذلك فهو يطالب بمنع دعم الكتاب عن الشعب، لأن هيئة الكتاب تبيع كتابًا ما بـ10 جنيهات، وهو نفسه يُباع في دار نشر خاصة بـ 100 جنيه، والمطالبة بحل وزارة الثقافة هدفه خصخصة الثقافة ورفع الدعم عنها، وبالمناسبة كان الكتاب يُباع أيام عبد الناصر بقرشين صاغ.

• وماذا تحتوى مكتبك من أعمال لا تستغنى عنها مطلقا؟
- أعمال الروسي أنطون تشيخوف، وكتب يوسف إدريس، وأعمال اليابانى ياسوناري كاواباتا، يحيى حقى وكتبي بالطبع.

• في أحد مقالاتك ذكرت أن «المرأة هي الحقيقة».. فكم مرة وقع أحمد الخميسى في الحب؟
- وقعت في الحب 6 مرات، وتزوجت 3 مرات، أول مرة أحب فيها كنت صغيرًا، وأحببت بنتًا كانت تسكن معنا في العمارة وتُدْعى "منى"، وكانت من أصولٍ تركية، وكنتُ أخشى التقرب منها.

• بصفتك كاتب سيناريو.. فلماذا تعيش أفلام الزمن القديم حتى الآن؟
- أولا كان هناك نهضة ثقافية عامة، وكانت سماءُ مصر ممتلئةً بالنجوم من كتابٍ ومخرجين، ومن ناحية أخرى كان هناك عنصر مهم، وهو في نشأة السينما العالمية والمصرية وحتى فترة السبعينيات، كان هناك ارتباط وثيق بين السينما والأدب، كأفلام "ذهب مع الريح"، "أين عمري"، "نهر الحب" المأخوذ عن (أنا كارينينا) الروسي، فالعمل الأدبى سواء رواية أو قصة يعطى السينما قوة، وبعد ذلك نشأت حرفة السيناريو، والسيناريست هم ليسوا أدباء في الأصل.

• وهل هذا هو سبب انحدار الأعمال الفنية والدرامية الآن؟
- بالطبع، فالسيناريست، على سبيل المثال، إذا أخذ قصة لنجيب محفوظ لن يستطع الانحدار باللغة أو الحبكة الدرامية لها، فلدينا أفلام كان لها كتاب سيناريو كـ "ثرثرة فوق النيل"، و"زقاق المدق"، و"أم العروسة"، و"في بيتنا رجل"، لكن لم ينحدر فيهم الحوار، فقوة العمل السينمائي تعتمد على قوة كاتبه، هذا بالإضافة إلى انحدار المستوى الثقافى بشكل عام، مع غياب الشعور بالشخصية القومية المصرية، وهى عنصر مهم قدمنا من خلاله أفلام كـ "الأرض"، و"العيب"، و"الحرام"، أيضا أصبحت السينما تبحث عن الإثارة سواء الجنسية أو السياسية، وهبوط الذوق العام، وغياب الحركة النقدية.

• كنت قد كتبت رسالتين لثورة 2011 تطمئننها فيهما.. وبعد مرور 7 سنوات.. ماذا ستكتب لها؟
- كتبت تلك الرسالتين بحذر شديد، فلم أكن متفائلًا بما حدث، وفى نفس الوقت لم أستطع أن أجزم بأنها ستُخطف، وما حدث كان تفاعلًا اجتماعيًّا سياسيًّا في انتفاضة يناير 2011، وهذا التفاعل لم أكن أعرف إلى أين سيذهب بنا، وذكرت في الرسائل أن تلك الانتفاضة ليست ثورة، لم ترفع أي شعار اجتماعى أو اقتصادي محدد سوى الشعار العام كشعارات الثورة الفرنسية (حرية- إخاء- مساواة)، ثانيا؛ الطبقات الاجتماعية صاحبة المصلحة الأولى في الثورة لم تشارك (الفلاحين والعمال)، ومن شارك هم الطبقة الوسطى أبناء المدن، ثم إن شعارها الوحيد كان إزاحة مبارك وفقط، وهذا غريب جدا، أن تقوم ثورة لإزاحة شخص وليس نظاما، وما حدث في يناير هو (إزاحة على بابا واستبقاء العصابة)، وهذا سبب عدم تفاؤلي، ولذلك لم أوجه نقدًا لها كى لا أفسدها.

وإذا وجهت رسالة الآن، سأقول إن القوة الاجتماعية والنخب السياسية التي شاركت في انتفاضة يناير عليها أن تدرك أن عملها لا بد أن يذهب إلى الطبقات صاحبة المصلحة في التغيير، وهم العمال والفلاحون والطلبة والموظفون، لأنهم من يقع عليهم العبء، فكنت أول مرة في حياتى أسمع عن ثورة تدار عن طريق فيس بوك، وكنت أشك منذ البداية بأنها «ثورة برتقالية» يديرها مجموعة من الأشخاص تكشف فسادهم مع توالى الأحداث، بالإضافة إلى أن هناك العديد من علامات الاستفهام، أيضا كل الأشخاص الذين ارتبط اسمهم بالثورة لهم علاقات بالخارج، ولم يُرفع شعارٌ واحدٌ معادٍ لإسرائيل، على الرغم من أن كل ما يحدث في مصر من رفع الأسعار والغلاء سببه دولة إسرائيل.

• ذكرتَ أن انتفاضة يناير كان هدفها إزاحة مبارك.. فهل يعنى أن «مبارك كان رأس الديك الأحمر»؟
- لا.. فقصة رأس الديك الأحمر ليس لها علاقة بمبارك، وكنت أقصد منها أن المثقفين الحقيقيين، ومن يملكون الوعى كانوا منفصلين كرأس الديك عن جسده، بمعنى أنهم معزولون في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، والشعب عندما خرج في انتفاضة يناير كان كحركة طيران بدن الديك من شرفته، فقصة رأس الديك الأحمر تعبر عن تصورى لما حدث في يناير.

وأنا ضد المطالبة بإزاحة أشخاص كمن يطالب بإزاحة السيسي، فأنا أطالب بإزاحة سياسات كهدم نظام الزراعة المصرى، والتصالح مع إسرائيل وبيع المصانع وبيع الجزر.

• والدك ترك لك وصية بأن يغرس بجوار مدفنه شجرة.. فماذا ستوصي أبناءك؟
- أبعدوا عن السلطة لأنها كذبٌ وكل رجالات السلطة يذكروننى برباعية صلاح جاهين، وهى «ولدي إليك بدل البالون ميت بالون.. انفخ وطرقع فيه على كل لون.. عساك تشوف بعينك مصير الرجال.. المنفوخين في السترة والبنطلون.. وعجبي"!

الحوار منقول عن بتصرف النسخة الورقية لـ "فيتو"..
Advertisements
الجريدة الرسمية