رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ليلة إعدام سليمان !


لم يكن أحد يعرف أنه سيفعل ما يهز الدنيا كلها، ويكون حديث العالم.. قال من اقتربوا منه فيما بعد إنه كان يخطط لشيء ما لم نكن نعرفه وقتها.. لكن كان التصميم يبدو عليه فكان قليل الضحك غاية في الجدية وكأنه يكتم سرا ما!


كان أبوه تاجرا صغيرا.. تركه يرحل للدراسة وهناك في حي الأزهر اختار سكنا بسيطا.. وانتظم في شيئين لا ثالث لهما.. الدراسة والصلاة.. ولم يكن أحد يعرف أنه بعد أيام سيصبح رمزا كبيرا !

كان "القائد" كما يسمونه في حديقة قصره بحي الأزبكية.. تنكر هو في زي شحات.. وأتقن دوره تماما بعد أن وفر لنفسه زي الشحاتين.. وفي حديقة القصر اقترب منه وبجواره أحد المهندسين.. بشجاعة نادرة وضع يده في جيبه وبثبات لا مثيل له أخرج منه سكينا حادا وفي أقل من لحظة كانت الطعنة الأولى.. تتبعها ثلاث طعنات قتلته على الفور وحين حاول صديقه المهندس نجدته طعنه هو أيضا وسقط جريحا!

كان الصراخ كفيلا بأن يفهم الحرس ما يجري فجاءوا على الفور وانشغلوا بمحاولة إنقاذ القائد، بينما سمح له ذلك بالهروب واختبأ خلف إحدى الأشجار البعيدة وبعد ساعات من البحث بمئات الجنود وجدوه وألقوا القبض عليه وعذبوه تعذيبا وحشيا لم يعرف المصريون له مثيلا!

شكلوا لجنة لمحاكمته يومي 15 و16 يونيو من 9 أشخاص أجمعوا على إعدامه هو وكل من "ظن" في نيته ولم يبلغ عنه ونص الحكم على أن يعدموا أصدقاءه قبله ويري هو تنفيذ الحكم كجزء من تعذيبه على أن يعدم بعدهم.. وبالفعل نفذ أقسى حكم إعدام في التاريخ في مثل اليوم 17 يونيو عام 1800 !

كان البطل هو سليمان الحلبي ابن سوريا الحبيبة، وكان القائد هو المجرم كليبر المحتل الفرنسي الذي تولي بعده القائد مينو.. وفي ما يسمي بمتحف "الشايو" بباريس صندوق زجاجي وضعوا فيه جمجمة الشهيد وكتبوا عليه "جمجمة مجرم" ولم يكن المجرم إلا كليبر ومينو وكل من جاءوا لاحتلال بلادنا العربية.. وما فعلوه مع سليمان فعلوه بعد مائة عام ويزيد في الجزائر.. المحاكمات الصورية وأحكام الظلم القاسية!

رحم الله سليمان الحلبي.. الذي انتقل من بلدته عفرين التي يحتلها الأتراك الآن ومنها إلى القدس ثم إلى غزة وأخيرا القاهرة ليخلص أهله في مصر من محتل جاء إلى غير أرضه، ورغم قيام حملات شعبية مصرية سورية، يجب أن تعود وتتكرر حتى إنجاز مهمتهاـ لإعادة رفات سليمان إلا أنها لم تنجح ولم تزل معروضة هناك فيما يسميه الكثيرون "عاصمة النور" والتي لم تزل تعتقل جثمانه وتتشفى في رجل أعدموه قبل أكثر من مائتي عام !
Advertisements
الجريدة الرسمية