رئيس التحرير
عصام كامل

حـســـن زايـــد يكتب: الــتـــلاعــب بالـــعـقـــول

فيتو

من الأمور العجيبة أن ينساق الإنسان وراء تسريبات إخبارية مكذوبة ومفبركة، ولا يكتفي بمجرد معرفة الخبر دون معرفة مصدره، ولا مدى الثقة فيه، وإنما تمتد يده ليكون مشاركًا في صنع هذا الخبر وشيوعه وانتشاره بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي.


وينتشر الخبر المفبرك انتشار النار في الهشيم، حيث ينتقل من مرتاد إلى آخر، رغبة في إحراز الأسبقية في الإتيان بالتائهة من مخبئها، وفي كل انتقال للخبر يفجر مجموعة من التعليقات السلبية، التي لا تقف عند حدود السلبية التي قد يظهرها التناول الموضوع للأمر، وإنما تمتد إلى الشتائم والسباب، بما يعكس تدني المستوى الأخلاقي.

بالقطع هذه الأخبار المكذوبة لم يجرِ دسها من باب التسلية، وتزجية وقت الفراغ، وبعيدًا عن نظرية المؤامرة التي لا يروق للبعض الترويج لوجودها، باعتبارها أكذوبة، وتعليق فشلنا في أعناق الآخرين فقد جرى صناعتها بمنتهى الجدية لتحقيق غاية ما، هذه الغاية تجري قراءتها من واقع ما تحدثه مثل هذه الأخبار في المجتمع. وما تحدثه في المجتمع من مشاعر سلبية تجاه السلطة الحاكمة، أيًا كانت هذه السلطة ولو كانت من الملائكة الأطهار، ينعكس بالضرورة على قدرة هذه السلطة على الإمساك بدفة المجتمع، وإدارة شؤونه، وحسن وسلامة وكفاءة أدائه، ويفقدها القدرة على الاختيار بين البدائل المتاحة، واتخاذ القرار المناسب في المكان والزمان المناسبين.

وقد استوقفني خبران لا يروق للإنسان بلعهما، ولا استساغتهما، ولا مضغهما، ولا التعامل معهما من الأساس؛ لأن الخبر في ذاته مفضوح، الأول: أن مجلس النواب المصري قد وافق على قانون فرض رسوم قدرها 150 جنيهًا على تصريح دفن الموتى، ورئيس مجلس النواب يصرح بأن هذا القانون يصب في مصلحة المواطن، وقد نفى المتحدث الرسمي لمجلس النواب صحة الخبر، ولكن هناك هوة زمنية فادحة بين ظهور الخبر وتداوله، وبين نفيه وتكذيبه، هذه الهوة تجعل الخبر يفعل فعلته، ويأتي بثماره العلقمية، مما يفقد النفي، والقول بعدم صحة الخبر أهميته، وأثره في معالجة التشوه العقلي والنفسي الذي جرى، فضلاً عن إمكانية تكذيبه أو عدم تصديقه، أو الميل إلى عكس اتجاهه.

الثاني: خبر سفر عدد من أعضاء البرلمان إلى روسيا؛ لتشجيع الفريق المصري لكرة القدم، وذلك على نفقة البرلمان، وأيضًا جرى نفي الخبر وتكذيبه من المتحدث الرسمي لمجلس النواب، وقد جاء النفي متأخرًا كالعادة، بعد أن تم تمرير الخبر بسرعة البرق عرضًا وعمقًا، عرضًا بعدد الناشرين، وعمقًا بعدد المعلقين.

ويزداد تأثير مثل هذه الأخبار في الناس، باعتبارهم مستفزين من الأصل من الارتفاع الجنوني، غير المنضبط، المنفلت للأسعار، على نحو التهم بالفعل بنهم شديد الدخل المحدود الذي يتحصل عليه المواطن من الطبقة المتوسطة وما دونها، ورفع رواتب الوزراء، وأعضاء مجلس الشعب، ورفع أسعار معظم الخدمات التي تقدمها الحكومة، والإعلانات الاستفزازية، وخاصة إعلانات التبرعات، وأجور الممثلين ولاعبي الكرة، فضلاً عن قضايا الفساد ونهب المال العام والرشاوى والتهرب الضريبي.

ومثل هذه الأخبار تسقط فوق رأس المواطن، الزيت وهو يغلي، وبمجرد سقوط الخبر المكذوب في الزيت المغلي، ينضج سريعًا، ويستوي، ويطلب الأكال.
الجريدة الرسمية