رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهاء شعبان : نعيش في شبه دولة.. وميزانية الثقافة أقل من ميزانية النادي الأهلي

فيتو

  • وجود حزب سياسي للرئيس فكرة خبيثة وراءها جماعات المصالح
  • دمج الأحزاب السياسية حق يراد به باطل
  • الدستور لم يطبق حتى هذه اللحظة والمبادرة بتعديله قبل تطبيقه خطأ كبير
  • السياسات الحالية تخدم طبقة المليونيرات.. وتغيير الاستراتيجيات أهم من تغيير الحكومة
  • المشهد الحزبي في مصر بائس وينظر للمعارضة على أنها كفر وجريمة
  • الشباب يشعر بعزلة وفى حاجة لتمكين حقيقي



يرى المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصري، في حواره لـ"فيتو"، أن السياسات الحالية للدولة تخدم الطبقة التي تصب في خزائنها المليارات، وأن التضخم وارتفاع الأسعار وملف السياسة من الأمور المهمة أمام رئيس الحكومة الجديد مصطفى مدبولى، وأشار في حواره لـ "فيتو"، أن اختيار المسئولين والوزراء يتم من خلال إما المعرفة الشخصية أو الصدف التي تلعب دورا كبيرًا لدرجة أن تشابه الأسماء يمكن أن يكون وراء تعيين وزير، وأيضا التقارير الأمنية شرط أساسى، موضحا أن تغيير الوزير الفاشل صعب واستمراره أيضا في غاية الصعوبة.

واتهم بهاء شعبان أصحاب المصالح بالوقوف وراء محاولات تعديل مدة الرئاسة في الدستور أصحاب المصالح، حيث يتصورون أنهم يخدمون الرئيس، محذرًا من أن تجربة الرئيس الأسبق حسنى مبارك كانت مأساوية.. وإلى تفاصيل الحوار:

• بداية.. في تصورك، ما الملفات الساخنة على مكتب رئيس الحكومة الجديد؟
- هناك العديد من الملفات على مكتب رئيس الوزراء القديم وليس الجديد، نظرا لكونه تولى المنصب وأوكل إليه قبل ذلك رئاسة الحكومة في فترة مرض المهندس شريف إسماعيل، فالدكتور مصطفى مدبولى يعلم جيدًا مشكلات المجتمع المصري، وهي بالطبع مشكلات عديدة، وفى مقدمتها ملف العدالة الاجتماعية وهو ملف يمس عشرات الملايين من الشعب المصري، الطبقات الشعبية الوسطى والأغلبية العظمى من الشعب المصرى، فلا بد أن يكون لديه حل لمشكلة العدالة الاجتماعية، وتوزيع أعباء برنامج الإصلاح الاقتصادى على كل الطبقات الاجتماعية، ولا يتحمله الفقراء وحدهم، لكن يطبق على الطبقات الكبيرة، خاصة أن الأوضاع والأزمة الاقتصادية خانقة للغاية وسياسات رفع الأسعار المستمر والكهرباء والمياه، ستقود البلاد إلى أزمة لا يمكن تصورها، وأيضا من أهم الملفات أمام مدبولى أن يجد حلا لمشكلة التضخم وارتفاع الأسعار المستمر.

أما النقطة الثانية وهى أساسية أيضا، فهى أزمة "موت الحياة السياسية" في مصر، ليس بسبب ضعف الأحزاب، لكن الحياة السياسية تعرضت لنكسة بعد ثورة الثلاثين من يونيو، أدت لإصابتها بشلل عميق، إن لم يكن موتًا كاملًا لها، بسبب القبضة الأمنية وصعوبة تحرك الأحزاب السياسية على الساحة، خاصة أن الحزب السياسي مثل الأسماك إذا خرج من الماء يموت، فالقيود التي توضع على حركة الأحزاب، سواء في الجامعات أو الشارع والمجتمع بوجه عام، تقتل العمل السياسي، وبعد ذلك نقول إن الأحزاب ضعيفة، فبعض القوانين التي وضعت لمواجهة الإرهاب ربما لم تواجهه، لكنها واجهت المناخ العام الذي تجرى فيه العملية السياسية، ويؤدى هذا المناخ في النهاية لعزلة النظام، ويلتف حوله فقط السياسيون والنخبة التي لها مصالح فقط، فلا بد من التمييز بين الحركة الوطنية الشريفة وبين الإرهاب والجماعات الإرهابية، خاصة أن العمل السياسي ضرورة للنظام قبل المجتمع.

• كيف ترى سبل إصلاح ملفات التعليم والصحة والثقافة والاقتصاد؟
- ملفات الثقافة والتعليم والصحة مهملة للغاية، وغيرها من الملفات أيضا تحتاج إلى حلول جذرية، نظرا لأن كل الحلول الشكلية كما حدث في التعليم لا تأتى بنتيجة، فلا بد أن يوضع التعليم على رأس الأهداف، خاصة أنه لن تتقدم دولة دون وضع إستراتيجية واضحة للتعليم حتى يأتى بالعائد المادى للمجتمع بعد ذلك، ومصر من الدول المتأخرة للغاية في التعليم، والأرقام التي أقرها الدستور عن البحث العلمى لم توفِ بها الدولة، والدول الأخرى تقدمت، والتي تصل فيها ميزانية التعليم لـ25%، والثقافة أيضا غصن أساسى في بناء المواطن، وميزانية الثقافة في مصر أقل من ميزانية النادي الأهلي، حيث لا تتجاوز مليارًا و200 مليون جنيه، لذلك تتراجع الثقافة المصرية بشكل مهين، حيث إن الثقافة في الماضى كانت تمثل قوة مصر الناعمة ومصدر دخل مهمًّا للغاية، فالمطلوب حاليا في هذه الملفات هي إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ المجتمع من كوارثه، ومطلوب أيضا حوار مجتمعى.

ليس الأهم هو تغيير الوجوه فقط، لكن الأهم هو تغيير السياسات، وخاصة أن الشعب مكسور، ولا يكفى الإشادة برأى البعض فحسب، وإذا كانت السياسات ستظل تخدم طبقة معينة والتي تصب في خزائنها المليارات لن يفيد التغيير في شيء.. "يبقى شالوا ألدو.. وجابوا شاهين"، والمهندس شريف إسماعيل بالفعل عمل في حدود طاقته، لكن الأهم حاليا هو تغيير السياسات.

• بوجهة نظرك.. هل لا تزال الحكومة تشكل من أهل الثقة والقرابة؟
%100 منذ ثورة 23 يوليو ونحن في هذا الحال، وليتهم أهل الثقة المبنية على الموهبة والخبرة والكفاءة، ولكنهم يعينون من خلال تقارير أمنية، ومن السهل اقتيادهم، لذلك ابتليت مصر بالشخصيات غير الجديرة.. منهم محافظ يحاكم بالرشوة، فمن المؤكد أن التقارير قالت إن هذا المحافظ جيد قبل توليه المسئولية، فسياسة أهل الثقة في الاختيار فقدت الكثير، وأسقطت سياسات أنظمة قديمة، والمطلوب في الاختيار الاعتماد على الوطنية والاستعداد للعمل والتضحية، ويجب أن يكون المسئول مدركا لذلك، ويجب أن يعلم المسئول أيضا أنه جندى في خدمة الوطن، وليس في وظيفة لكى يحقق منها منصبًا ويتاجر من خلالها.

النقطة الثانية؛ أن الوزير لا بد أن يكون سياسيًّا بالدرجة الأولى قبل أن يكون متخصصا، وأرى في بعض الدول سيدة تتولى وزارة الدفاع وليس جنرالا في الجيش، ولكنها تكون معينة من الحزب الذي يحكم وتطبق السياسات، فليس شرطا اختيار صاحب التخصص فقط كما يحدث هنا، ولكن الأهم أن يكون سياسيا، ولديه القدرة على حل مشكلات وأزمات المجتمع، نظرا لأنه منذ أن أبتلينا بحكومات التكنوقراط، فهى مثل التاجر الذي يأتى للعمل فقط في تخصصه، لكن لا بد أن يفهم المسئول أن التعامل مع البشر يحتاج إلى خبرة كبيرة.

• كيف يتم اختيار المسئولين في مصر؟
- يتم الاختيار غالبا من خلال المعرفة الشخصية، وهى تلعب دورا أحيانا، والصدف أيضا تلعب دورا كبيرا في الاختيار وبعض الوزراء تتشابه أسماؤهم فيتم الاتصال بشخص غير المطلوب، ويأتى ثم يحرج بعد ذلك منه فيتولى الوزارة، ولا يتم التراجع عنه، وأيضا الجانب الأمني 100%، وبعد ذلك يكتشف أنه ليس جيدا، والأفضل هو تغيير مفهوم الولاء للدولة، فقد يكون الشخص مختلفا مع سياسات النظام الاقتصادية لكنه مع الدولة في حربها ضد الإرهاب والعنف والإخوان والفساد.

الشعب والأهداف الوطنية لا بد أن تكون في المقام الأول عند الاختيار، خاصة أنه من الصعب تغيير الوزير الفاشل واستمراره أيضا صعب، فمن الأفضل بالطبع تغييره لكنه لن يستقيل، بالطبع الاعتراف بالخطأ فضيلة، لكنى لم أرَ وزيرًا استقال من منصبه إلا في فترة السادات وكان وزير التعليم حلمى مراد.

• ما المطلوب من الرئيس في ولايته الثانية؟
- الرئيس هو مفتاح كل قرار، وإذا لم نجد إرادة واضحة من الرئيس لن يتحقق شيئًا، وإذا لم يتدخل الرئيس دائمًا، ويأخذ على عاتقه تنفيذ المطالب في شكل حاسم، وفى صالح الدولة، وحل المشكلات التي تساعد على إنجاح النظام، ونحن كدولة ما زالت رئاسية رغم كل التعديلات التي جرت، وما زال الرئيس هو صاحب القرار، لا ينفذ أي وزير أو رئيس الحكومة شيئا إلا عندما يحصل على الضوء الأخضر من الرئاسة، وأرجو أن يستمع الرئيس لآراء الناس التي تتحدث عن إصلاح حقيقى وآراء المجتمع كله، ولا بد من حوار مجتمعى مع رجال الفكر والسياسة، وليست النخبة فقط التي تُدعى في كل اجتماع، نظرًا لأن البعض قد يكون لديه حلول عبقرية، وهناك شعوب واجهت مشاكلها ونجحت وكل شيء يمكن إصلاحه، ومصر تملك طاقة كبيرة، ولكن ما أراه حاليا أن الدولة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر.
الحماس لدى المواطنين انخفض بعد 30 يونيو، والرئيس يعلم ذلك جيدا، ويقول إنه لو كان يريد الحفاظ على شعبيته لما نفذ الإصلاحات وغيرها، لكن لا بد من التفاعل مع مشكلات المواطنين، لحل مشاكلهم وإجراء حوار مجتمعى.

• كيف ترى المطالبات بتعديل مدة الرئاسة في الدستور؟
- أرفض ذلك تماما، خاصة أن ذلك سيفتح باب جهنم أمام تقويض وهدم الدستور والحياة الدستورية، والدستور حتى هذه اللحظة لم يطبق، والمبادرة بتعديله قبل تطبيقه خطأ كبير، والذي يقف وراء هذه الدعوة هم جماعات المصالح التي تتصور أنها تخدم الرئيس، والرئيس قالها صراحة أنه لن يبقى يوما واحدا بعد فترته الثانية، ولكن يبدو أن هناك من هم ملكيون أكثر من الملك نفسه، وهم جماعات المصالح الذين يريدون أن تستمر مصالحهم، فمحاولة تغيير الدستور ستجعله بعد ذلك مثل العجينة التي يُلعب بها، وليست هناك مشكلة أن يخوض الرئيس في المستقبل الانتخابات بعد تولى الرئيس الجديد، وسيُحسب له أنه أول رئيس يلتزم بالدستور، وخاصة أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك كانت تجربته مأساوية ولا نريد تكرارها ولا بد أن نتعلم دائما من الماضى.

• كيف ترى المشهد الحزبى والمعارضة في مصر؟
- المشهد الحزبى بائس، وهو نتيجة خطة ممنهجة ومنظمة قادت المشهد الحزبى إلى غرفة مغلقة ومظلمة، ليس صدفة، ولكن بفعل فاعل، والآن تتعرض ثورة يناير للهجوم والتشويه، وفتحت الأبواب لكل من يريد إنشاء حزب سياسي، وتم تقييد حركة الأحزاب وتشويهها في المجتمع ولم يعد لها دور ولا قيمة، وأرى أن أداة المجتمع في عقلية الولاء وليس النقاش والاجتهاد من أجل المصلحة العامة، والمعارضة دائما لا بد أن تكون حاجة ملحة للحاكم قبل الخصوم، والتنبيه بالخطأ من مصلحة النظام، والمعارضة دائما تنير الطريق للنظام، لكنه قد ينظر للمعارضة باعتبارها كفرًا وجريمة.
أرى أن شخصًا معارضًا أكثر فائدة للحكم من ألف مطبل، ولا بد من إعطاء المساحة للمعارضة، وخاصة أن دوام الحال من المحال، والشباب حاليا يشعر بعزلة وغربة، وفى حاجة لتمكين حقيقى.

• كيف ترى المطالبة بدمج الأحزاب السياسية؟
- دمج الأحزاب السياسية حق يراد به باطل، بمعنى أنه من الأفضل أن نتحدث مباشرة عن الأحزاب المتقاربة في الفكر وليس دمج الأحزاب فقط، لكن دمج الأحزاب المتقاربة والمتباعدة في الفكر يعد كارثة، ولدينا أيضا الكثير من الأحزاب ضعيفة جاء بعضها في ظروف ملتبسة وكثيرٌ منها صُنِع بيد معينة، لكن المفهوم الصحيح للحزب السياسي هو موقف ورؤية لحل مشكلات المجتمع، ولا يجوز دمج أحزاب غير متوافقة مع بعضها.
وأرى أن هناك مطالبات أيضا بإلغاء الأحزاب التي ليس لها نواب في البرلمان، وهو ما يفيد إنتاج كل الممارسات السابقة، التي أدت لكارثة الأحزاب، نظرا لأن الذي يحكم على الأحزاب هو الشعب، ومن الممكن إلغاء حزب مفيد للمجتمع، وكثير من الأحزاب التي لديها نواب في البرلمان البعض منها اشترى العضوية بالمال، والحياة السياسية هي ترك المجال العام مفتوحا لكل صاحب رؤية وفكر.

• هل أخفق البرلمان في أدائه؟
- البرلمان أجهض آمال الشعب، وحمل الوطن الكثير، ولم يقم بأى دور حقيقى يكتب له في التاريخ، لم يفرض إرادة الشعب وتحول لأداة لتنفيذ إرادة السلطة التنفيذية، لم يدافع عن حق الفقراء والفئات الضعيفة في المجتمع وكل ما نسمعه أصوات لتحميل المواطنين أعباء أخرى، ومنها على سبيل المثال قرار رفع تذكرة المترو لم تناقش في البرلمان.
ما بعد 23 يوليو لم يكن هناك برلمان حقيقى، ونحن حاليا في شبه دولة وشبه برلمان أيضا والبرلمان الحقيقى هو الذي يضع الحدود والتواصل والنظم.

• بماذا تصف من يطالبون بوجود حزب سياسي للرئيس؟
- وجود حزب سياسي للرئيس هي فكرة خبيثة، وراءها جماعات المصالح التي اعتادت التكسب من اقترابها من سدة الرئاسة وكرسى الحكم، وهى تمارس منذ عهد السادات كيف تتقرب للحاكم، لكى تحقق مصالحها، وجزء منها ينتمى لحسنى مبارك، يتصورون أنهم يحمون مصالحهم ويفتحون مجالا للتكسب، لكن في النهاية كل الأحزاب التي نشأت في ظل حزب السلطة انتهت نهاية بائسة وكان آخرها الحزب الوطنى الديمقراطى الذي حرق مقره، نظرا لأن الرئيس لكل المصريين ولكل الناس ولا ينتمى لحزب ما، ومن الخطورة إنشاء حزب للرئيس يمتلئ بالمرتزقة، والمتزلفين والمنافقين، وسيحمل الرئيس أوزار الحزب والتجاوزات، والحزب سيضع الرئيس في موقف حرج وأتصور أن الرئيس ليس لديه حماس لمثل هذه الفكرة.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية