رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السباحة ضد التيار.. واجبة!


إذا كان التيار السائد الآن بل والجارف في عالمنا العربي هو تيار التبعية للنموذج الرأسمالي الغربي في نسخته المستحدثة (الأمريكية – الصهيونية) التي تخضع الجميع لإراداتها سواء كان ذلك طواعية أو غصبا، ومن لا يخضع لهذه الإرادة فعليه تحمل تبعات مقاومته وسباحته ضد التيار..


وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التيار الأمريكي– الصهيوني قد نمى وتبلورت ملامحه الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي كانت تتراجع فيه أسهم بريطانيا العظمى (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) وأثناء هذا الصعود كان هناك تيار آخر بدأ في النمو والتبلور على الساحة الدولية وهو التيار الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت ذاته كانت حركات التحرر الوطني تفرض نفسها على المنطقة والعالم.

واستطاع الضابط المصري الشاب جمال عبد الناصر أن يقوم هو ورفاقه الأحرار بثورة 23 يوليو 1952 وتحرير مصر من الاستعمار، وتبلور دوره بعد نجاح ثورته حيث ساعد حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وفي إطار الحرب الباردة بين المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو) والمعسكر الشرقي (الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو) تمكن جمال عبد الناصر ورفيقيه الهندي نهرو واليوغوسلافي تيتو من تشكيل حركة عدم الانحياز، وكان هدف الحركة هو الابتعاد عن سياسات الحرب الباردة، وهو ما يعني عدم التبعية لأي من المعسكرين الغربي والشرقي.

وتأسست الحركة من 29 دولة وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونغ 1955، الذي يعتبر أول تجمع منظم لدول الحركة، ثم انعقد أول اجتماع للحركة في بلغراد عام 1961 وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات حتى المؤتمر الأخير الذي عقد في طهران عام 2012، ووصل عدد الدول الأعضاء في الحركة 118 دولة، وفريق مراقبة مكون من 18 دولة، و10 منظمات، وتعد الحركة هي التجمع الدولي الأكبر بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة، وعلى الرغم من الزخم الذي تميزت به الحركة خلال الحرب الباردة فإنها فقدت أهميتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين.

وعلى الرغم من تمكن جمال عبد الناصر ورفاقه في حركة عدم الانحياز من الحفاظ على استقلاليتهم النسبية خاصة في مواجهة التيار الرأسمالي الغربي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنهم لم يسلموا من الضغوط الأمريكية التي تحولت إلى مؤامرات في محاولة لإجهاض مشروعات التنمية المستقلة لمجتمعات العالم الثالث، وكانت إحدى نتائج سباحة جمال عبد الناصر ضد التيار الأمريكي – الصهيوني ورفضه الخضوع والخنوع والركوع لهم أن دبرت له نكسة 1967 لإجهاض مشروعه وتجربته التنموية المستقلة..

لكن على الرغم من ذلك ظل جمال عبد الناصر يسبح ضد التيار ورفض وهو في عز الهزيمة أن يستسلم أو يفرط فكانت العروض الأمريكية – الصهيونية للتسوية جاهزة لكنه رفض وأعلن مقاومته من خلال اللاءات الثلاثة بمؤتمر الخرطوم في 29 أغسطس 1967 (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض) وبدأ مباشرة في حرب الاستنزاف في الوقت الذي كان يعيد فيه بناء الجيش استعدادا لحرب التحرير.

وفي 28 سبتمبر 1970 رحل جمال عبد الناصر، وبرحيله بدأت مرحلة جديدة في تاريخ مصر والمنطقة والعالم، حيث فقد مشروع المقاومة أحد أهم سباحيه الكبار في مواجهة التيار الرأسمالي الغربي الجارف، وتمكن الأمريكان من السيطرة على الرئيس السادات الذي وجد في التبعية للمشروع الرأسمالي الغربي ضالته فالرجل مهزوم داخليا لذلك سلم أن 99 % من أوراق اللعبة في يد الأمريكان لذلك أعلن تخليه عن المشروع التنموي المستقل لصالح التبعية عبر سياسات الانفتاح الاقتصادي، ثم سلم للعدو الصهيوني عبر اتفاقية كامب ديفيد 1978 التي أعقبتها معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية 1979، ورحل السادات وأعقبه مبارك الذي ظل ثلاثة عقود كاملة محافظا على السباحة مع تيار التبعية الأمريكي – الصهيوني.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالساحة الدولية بدأت في ممارسة الضغوط على كل من كان يسبح ضد تيارها سواء في منطقتنا أو العالم، وبدأ البعض يخضع ويستسلم فوجدنا منظمة التحرير الفلسطينية توقع اتفاقية أوسلو مع العدو الصهيوني 1993، ثم الأردن يوقع اتفاقية وادي عربة مع العدو نفسه في 1994، وظل الرئيس حافظ الأسد يناور مع العدو الأمريكي – الصهيوني لمدة عشر سنوات دون تفريط، وكانت مقاومته سباحة ضد التيار الرأسمالي الغربي الجارف..

واستطاع عبر ثلاثة عقود أن يبني سورية الحديثة، ويحقق تنمية مستقلة أوشكت على الاكتفاء الذاتي.

وبرحيله في 10 يونيو 2000 توهم العدو الأمريكي – الصهيوني أنه تخلص من السباح الأخير في المنطقة الذي يسبح في مواجهة تيارهم الرأسمالي الغربي الجارف، لكنه خاب ظنهم حيث خلفه الرئيس بشار الأسد الذي حافظ على نفس الخط المقاوم، وظل يسبح ضد التيار الأمريكي – الصهيوني حتى أعلنوا الحرب الكونية على سورية في مطلع العام 2011 المستمرة حتى اليوم، لكنه تمكن من الصمود بفضل إيمانه بشعبه وجيشه، واستطاع أن يحقق انتصارات مدوية..

وعبر الحرب الكونية على سورية عادت روسيا من جديد قوة مؤثرة على الساحة الدولية، ولم يعد التيار الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قادرا على العربدة والبلطجة على دول المنطقة والعالم كما كان يفعل خلال العقدين الأخيرين، لذلك يجب أن يعي كل من فرط وباع وسبح مع التيار، أن الاستقلال والتنمية المستقلة ممكنة إذا قررنا فورا السباحة ضد التيار وهي سباحة واجبة لأن هذا العدو الأمريكي – الصهيوني لن يسمح لنا بأي استقلال أو تنمية حقيقية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية